فحذرني مثل ما حذرتك (1)، (حتى أكون مما وفى بحق الوصية وحب الخير).
هذا يدل على أن نوحا (عليه السلام) كان مستمرا في دعوته الإلهية طوال عمره الشريف ولعدة أجيال وكان لا يعرف التعب أبدا.
وكذلك تتضمن الآية الإشارة إلى أحد الأسباب المهمة لتعاستهم وهو الغرور والتكبر، لأنهم كانوا يرون أنفسهم أكبر من أن يتنازلوا لإنسان مثلهم، وإن كان ممثلا عن الله وتقيا، ومهما كان قلبه عامرا بالعلم، فكان هذا الغرور والكبر أحد الموانع المهمة والدائمة في طريق الحق، ونحن نشاهد النتائج المشؤومة لذلك على طول التاريخ في حياة أناس لا إيمان لهم.
واستمر نوح (عليه السلام) في حديثه عند المقام الإلهي، فيقول: ثم إني دعوتهم جهارا.
دعوتهم إلى الإيمان في حلقات عامة وبصوت جهور، ثم لم أكتفي بهذا: ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا قال بعض المفسرين: إن نوحا (عليه السلام) اتبع في دعوته ثلاثة أساليب مختلفة حتى يستطيع من النفوذ في هذا الجمع المعاند والمتكبر: كان يدعو أحيانا في الخفاء فواجه أربعة أنواع من الرفض (وضع الأصابع في الآذان، تغطية الوجوه بالملابس، الإصرار على الكفر، والاستكبار).
وكان يدعو أحيانا بالإعلان، وأحيانا أخرى يستفيد من طريق التعليم العلني والسري ولكن أيا من هذه الأمور لم يكن مؤثرا (2).
من المعلوم أن الإنسان إذا ما نهج طريق الباطل إلى حد تتعمق في وجوده جذور الفساد وتنفذ في أعماق وجوده حتى تتحول إلى طبيعة ثانية فيه، فإنه سوف لا تؤثر فيه دعوة الصالحين ولا ينفع معه خطابات رسل الله.
* * *