وبعد ذكر كل تلك العلائم لما قبل البعث ولما بعده، تأتي النتيجة القاطعة:
علمت نفس ما قدمت وأخرت.
نعم، فستتجلى حقائق الوجود، وسيصير كل شئ بارز إنه " يوم البروز " وسيرى الإنسان كل أعماله محضرة بخيرها وشرها، لأنه يوم إزالة الحجب، ورفع مبررات الغرور والغفلة، وعندها... سيعلم الإنسان ما قدم لآخرته، وما ترك بعده من آثار حسنها وسيئها، مثل: الصدقة الجارية، فعل الخير، عمارة الأبنية، الكتب التي ألفها، ما سن من السنن... فإن كان ما خلفه خالصا لله فسينال حسناته، وإن كانت نية أفعاله غير خالصة لله فستصل إليه سيئات تبعاته.
وهذه نماذج من الأعمال التي ستصل نتائجها إلى الإنسان بعد الموت، وهو:
المراد من " وأخرت ".
صحيح أن الإنسان يعلم بما عمل في دنياه بصورة إجمالية، لكن حب الذات والاشتغال بالشهوات والنسيان غالبا ما ينسيه ما قدمت يداه، فيتغافل عن النظر إلى ما بد منه، أما في ذلك اليوم الذي سيتحول ويتغير فيه كل شئ حتى روح الإنسان فسيلتفت إلى ما قام به من عمل بكل دقة وتفصيل، كما تشير إلى ذلك الآية (30) من سورة آل عمران: يوم يجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء، فكل سيرى كل أعماله حاضرة مجسمة أمام عينه.
وقيل: " ما قدمت "، إشارة إلى أعمال أول عمر الإنسان، و " أخرت "، إشارة إلى أعمال آخر عمره.
ويبدو أن التفسير الأول أنسب من جميع الجهات.
ويراد ب " نفس " الواردة بالآية، كل نفس إنسانية.
* * *