السيئة.
(انطلقوا): من مادة (انطلاق) وهو الانتقال من غير مكث، ويظهر منه كذلك الحرية المطلقة، وهذا في الحقيقة توضيح لحالهم في عرصة المحشر إذ يوقفوهم للحساب مدة طويلة، ثم يتركونهم ويقال لهم: انطلقوا إلى جهنم من غير مكث أو توقف. ومن الممكن أن يكون المتكلم هنا هو الله تعالى، أو ملائكة العذاب، وعلى كل حال فإنه سياق ممزوج بالتوبيخ الشديد الذي يعتبر بحد ذاته عذابا مؤلما.
ثم يعمد إلى مزيد من التوضيح حول هذا العذاب، فيقول سبحانه: انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب: توجهوا نحو ظل من دخان خانق له ثلاث شعب:
شعبة من الأعلى، وشعبة من الجهة اليمنى، وشعبة من الجهة اليسرى، وعلى هذا الأساس فإن دخان النار المميت هذا يحيط بهم من كل جانب ويحاصرهم.
ثم يقول تعالى: لا ظليل ولا يغني من اللهب فليس في هذا الظل راحة، ولا يمنع من الاحتراق بالنار لأنه نابع من النار.
وربما كان التعبير ب (ظل) سببا لتصور وجود الظل الذي يخفف من حرارة النار، ولكن هذه الآية تنفي هذا التصور وتقول: ليس هذا الظل كما تتصورون، أنه ظل محرق وخانق، وناتج من دخان النار الغليظ الذي يعكس حرارة اللهب بصورة كاملة (1) ويشهد على هذا الحديث قوله تعالى في سورة الواقعة حول أصحاب الشمال: في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم. (2) وقيل: إن هذه الشعب الثلاث هي انعكاس للتكذيبات الثلاثة لأساس الدين، وهي التوحيد والنبوة والمعاد، لأن تكذيب المعاد لا ينفصل عن التكذيب بالنبوة والتوحيد، وقيل، إنها إشارة إلى مبادئ الذنوب الثلاثة: القوة الغضبية والشهوية