الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٩ - الصفحة ١٨
يناسب المعنى الأول، وإن لم يكن هناك اختلاف في مقام التشبيه.
" العهن ": مطلق الصوف المصبوغ ألونا.
نعم، في مثل ذلك اليوم تتلاشي السماوات وتذوب، تتدكدك الجبال ثم تتناثر في الهواء كالصوف في مهب الريح، وبما أن الجبال ذات ألوان مختلفة فإنها شبهت بالصوف المصبوغ بالألوان، ثم يتحقق عالم جديد وحياة جديدة للبشرية بعد كل هذا الخراب.
وعندما يحل يوم القيامة في ذلك العالم الجديد فسيكون فيه الحساب عسيرا ومرعبا بحيث ينشغل كل بنفسه، ولا يفكر بالآخر حتى لو كان من خلص أصدقائه وأحبائه: ولا يسأل حميم حميما (1).
الكل مشغول بنفسه، ويفكر بخلاص نفسه يقول في سورة عبس (37):
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (2).
ولا يعني ذلك أن الأصدقاء والأقرباء ينكر بعضهم بعضا، بل إنهم يعرفونهم ويقول تعالى: يبصرونهم (3)، غاية الأمر هو أن هول الموقف ووحشته لا يمكنه من التفكر بغيره.
وإكمالا للحديث وتوضيحا لذلك الموقف الموحش، يضيف تعالى: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه.
وليس ببنيه فحسب بل، يود أن يفتدي العذاب بزوجته وأخيه أيضا وصاحبته وأخيه.
وفصيلته التي تؤيه أي عشيرته وأقرباءه الذين كان يأوي إليهم في

1 - " الحميم ": تقدم أنه في الأصل يعني الماء المغلي والمحرق ثم اطلق كذلك على الأصدقاء المخلصين والحقيقيين.
2 - وردت تفاسير أخرى، منها: لا يسأل أحد عن أحوال الآخر لأن أحوالهم ظاهرة في وجوههم، وإذا كانت ظاهرة فلا مبرر للسؤال، ولا يمكن أحد تحمل المسؤولية، مسؤولية أعماله عن الآخرين ولكن التفسير الأول هو الأصح.
3 - مع أن " حميم " قد جاء في المرحلتين بصورة المفرد، فقد جاء في " يبصرونهم " ضمير بصورة الجمع لأن له معنى جنسي.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست