المهمة ألا يعلم شيئا سوى ما يحيط به وبزمانه؟ هل يمكن لمن يتسلم مهمة الإمرة على إمارة، والمحافظة على قسم عظيم من بلاد ما وهو لا يعلم منها شيئا، وفي نفس الوقت يطلب منه أن ينفذ المهمة على أحسن وجه؟!
وبعبارة أخرى، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام عليه أن يبين الأحكام الإلهية ويطبقها في فترة حياته بحيث يلبي احتياجات البشرية في كل زمان ومكان، وهذا لا يمكن إلا بمعرفته على الأقل لقسم من أسرار الغيب.
ثم هناك ثلاث آيات في القرآن المجيد إذا وضعت إلى جانب بعضها البعض فسرعان ما يتضح لنا ما يتعلق بعلم الغيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) فالأول ما يذكره القرآن حول من أحضر عرش ملكة سبأ في طرفة عين (وهو آصف بن برخيا) فيقول تعالى في كتابه: قال الذي عنده علم الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي (1)، ونقرأ في آية أخرى: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (2).
ومن جهة أخرى نقل في أحاديث مختلفة في كتب الخاصة والعامة أن أبا سعيد الخدري قال سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن معنى الآية: الذي عنده علم من الكتاب فقال: " هو وصي أخي سليمان بن داود " قلت ومن المراد في: ومن عنده علم الكتاب؟ فقال: " ذاك أخي علي بن أبي طالب " (3).
فالملاحظ فيما يقوله إن (علم من الكتاب) الذي جاء فيما يخص " آصف " هو علم جزئي، وأما حينما يقول في (علم الكتاب) الذي ورد فيما يخص عليا (عليه السلام) هو علم كلي، وهذا ما يوضح الاختلاف بين المقام العلمي لآصف وبين المقام العلمي لعلي (عليه السلام).