قال الله تعالى: " وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا "، وقال تعالى: " هذا حلال وهذا حرام "، انتهى.
فالظاهر أن مقابلة الحل الحرمة، وكذا التقابل بين الحل والحرم أو الاحرام من جهة تخيل العقد في المنع الذي هو معنى الحرمة وغيرها ثم مقابلته بالحل المستعار لمعنى الجواز والإباحة، واللفظان أعني الحل والحرمة من الحقائق العرفية قبل الاسلام دون الشرعية أو المتشرعية.
والآية أعني قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا " (الخ)، تنهى المؤمنين عن تحريم ما أحل الله لهم، وتحريم ما أحل الله هو جعله حراما كما جعله الله تعالى حلالا وذلك إما بتشريع قبال تشريع، وإما بالمنع أو الامتناع بأن يترك شيئا من المحللات بالامتناع عن إتيانه أو منع نفسه أو غيره من ذلك فإن ذلك كله تحريم ومنع ومنازعة لله سبحانه في سلطانه واعتداء عليه ينافي الايمان بالله وآياته، ولذلك صدر النهى بقوله:
" يا أيها الذين آمنوا "، فإن المعنى: لا تحرموا ما أحل الله لكم وقد آمنتم به وسلمتم لامره.
ويؤيده أيضا قوله في ذيل الآية التالية: " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ".
وإضافة قوله: " طيبات " إلى قوله: " ما أحل الله لكم " - مع أن الكلام تام بدونه - للإشارة إلى تتميم سبب النهى فإن تحريم المؤمنين لما أحل الله لهم على أنه اعتداء منهم على الله في سلطانه، ونقض لايمانهم بالله وتسليمهم لامره كذلك هو خروج منهم عن حكم الفطرة، فإن الفطرة تستطيب هذه المحللات من غير استخباث، وقد أخبر الله سبحانه عن ذلك فيما نعت به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والشريعة التي جاء بها حيث قال:
" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " (الأعراف: 157).
وبهذا الذي بينا يتأيد اولا: أن المراد بتحريم طيبات ما أحل الله هو الالزام والالتزام بترك المحللات.
وثانيا: أن المراد بالحل مقابل الحرمة ويعم المباحات والمستحبات بل والواجبات