كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن " (هود: 40) فوعده بإنجاء أهله واستثنى منهم من سبق عليه القول، وقد كانت امرأته كافرة كما ذكرها الله في قوله:
" ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط " (التحريم: 10) وأما ابنه فلم يظهر منه كفر بدعوة نوح، والذي ذكره الله من أمره مع أبيه وهو في معزل إنما هو معصية بمخالفة أمره عليه السلام وليس بالكفر الصريح فمن الجائز أن يظن في حقه أنه من الناجين لظهور كونه من أبنائه وليس من الكافرين فيشمله الوعد الإلهي بالنجاة.
ومن جانب قد أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام حكمه المحتوم في أمر الناس كما قال: " وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " (هود: 37) فهل المراد بالذين ظلموا الكافرون بالدعوة أو يشمل كل ظلم أو هو مبهم مجمل يحتاج إلى تفسير من لدن قائله تعالى؟.
فكأن هذه الأمور رابته عليه السلام في أمر ابنه ولم يكن نوح عليه السلام بالذي يغفل من مقام ربه وهو أحد الخمسة أولى العزم سادات الأنبياء، ولم يكن لينسى وحى ربه:
ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " ولا ليرضى بنجاة ابنه ولو كان كافرا ماحضا في كفره، وهو عليه السلام القائل فيما دعا على قومه: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " (نوح: 26) ولو رضى في ابنه بذلك لرضى بمثله في امرأته.
ولذلك لم يجترء عليه السلام على مسألة قاطعة بل ألقى مسألته كالعارض المستفسر لعدم إحاطته بالعوامل المجتمعة واقعا على أمر ابنه، بل بدأ بالنداء باسم الرب لأنه مفتاح دعاء المربوب المحتاج السائل ثم قال: " إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق " كأنه يقول وهذا يقضى بنجاة ابني " وأنت أحكم الحاكمين " لا خطأ في أمرك ولا مغمض في حكمك فما أدرى إلى م انجر أمره؟.
وهذا هو الأدب الإلهي أن يقف العبد على ما يعلمه، ولا يبادر إلى مسألة ما لا يدرى وجه المصلحة فيه.
فألقى نوح عليه السلام القول على وجد منه كما يدل عليه لفظ النداء في قوله: " ونادى نوح ربه " فذكر الوعد الإلهي ولما يزد عليه شيئا ولا سأل أمرا.