يتحرجوا في ما قسم لهم من الحياة ولا يتكلفوا في أمر من الأمور إذ كانوا على الفطرة والفطرة لا تهدى إلا إلى ما جهزها الله بما يلائمها في نيله، ولا تتكلف الاستواء على ما لم يسهل الله لها الارتقاء على مستواه، قال تعالى حكاية عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: " وما أنا من المتكلفين " (ص: 86) وقال تعالى: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (البقرة:
286) وقال تعالى: " لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها " (الطلاق: 7) وإذ كان التكلف خروجا عن الفطرة فهو من اتباع الشهوة والأنبياء في مأمن منه.
وقال تعالى وهو أيضا من التأديب بأدب جامع: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون " (المؤمنون: 52) أدبهم تعالى أن يأكلوا من الطيبات أي أن يتصرفوا في الطيبات من مواد الحياة ولا يتعدوها إلى الخبائث التي تتنفر منها الفطرة السليمة وأن يأتوا من الأعمال بالصالح منها وهو الذي يصلح للانسان أن يأتي به مما تميل إليه الفطرة بحسب ما جهزها الله من أسباب تحفظ بعملها بقائه إلى حين، أو أن يأتوا بالعمل الذي يصلح أن يقدم إلى حضرة الربوبية، والمعنيان متقاربان، فهذا أدب يتعلق بالانسان الفرد.
ثم وصله تعالى بأدب اجتماعي فذكر لهم أن الناس ليسوا إلا أمة واحدة:
المرسلون والمرسل إليهم، وليس لهم إلا رب واحد فليجتمعوا على تقواه، ويقطعوا بذلك دابر الاختلافات والتحزبات، فإذا التقى الأمران أعني الأدب الفردى والاجتماعي تشكل مجتمع واحد بشرى مصون عن الاختلاف يعبد ربا واحدا، ويجرى الآحاد منه على الأدب الإلهي فاتقوا خبائث الافعال وسيئات الأعمال فقد استووا على أريكة السعادة.
وهذا ما جمعته آية أخرى وهى قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " (الشورى: 13).
وقد فرق الله الأدبين في موضع آخر فقال: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " (الأنبياء: 25) فأدبهم بتوحيده وبناء