المنبسط على أعمال الأنبياء عليهم السلام المنزهة من الشرك.
ثم قال تعالى - بعد ما ذكر عدة من أنبيائه عليهم السلام - في سورة مريم: " أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (مريم: 60).
فذكر تعالى أدبهم العام في حياتهم أنهم يعيشون على الخضوع عملا وعلى الخشوع قلبا لله عز اسمه فإن سجودهم عند ذكر آيات الله تعالى مثال الخضوع، وبكاءهم وهو لرقة القلب وتذلل النفس آية الخشوع وهما معا كناية عن استيلاء صفة العبودية على نفوسهم بحيث كلما ذكروا بآية من آيات الله بان أثره في ظاهرهم كما استولت الصفة على باطنهم فهم على أدبهم الإلهي وهو سمة العبودية إذا خلوا مع ربهم وإذا خلوا للناس، فهم يعيشون على أدب إلهي مع ربهم ومع الناس جميعا.
ومن الدليل على أن المراد به الأدب العام قوله تعالى في الآية الثانية: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات " فإن الصلاة وهى التوجه إلى الله هي حالهم مع ربهم واتباع الشهوات حالهم مع غيرهم من الناس، وحيث قوبل أولئك بهؤلاء أفاد الكلام أن أدب الأنبياء العام أن يراجعوا ربهم بسمة العبودية وأن يسيروا بين الناس بسمة العبودية أي تكون بنية حياتهم مبنية على أساس أن لهم ربا يملكهم ويدبر أمرهم، منه بدؤهم واليه مرجعهم فهذا هو الأصل في جميع أحوالهم وأعمالهم.
والذي ذكره تعالى من استثناء التائبين منهم أدب آخر إلهي بدأ فيه بآدم عليه السلام أول الأنبياء حيث قال: " وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " (طه: 132) وسيجئ بعض القول فيه إن شاء الله تعالى.
وقال تعالى: " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا " (الأحزاب: 39).
أدب عام أدب الله سبحانه به أنبياءه عليهم السلام وسنة جارية له فيهم أن لا