ومسير البقاء أن تستتم ما يعرضها من النقص والعيب، وإن السبب الجابر لهذا الكسر هو الله سبحانه وحده فهو من عادة الربوبية.
ولذلك كان يكفي مجرد إظهار الحال، وإبرار ما نزل على العبد من مسكنة العمدة - أوقفا أنفسها بما صدر عنهما من المخالفة موقف الذلة والمسكنة التي لا وجه معها ولا كرامة، فنتجت لهما التسليم المحض لما يصدر في ذلك من ساحة العزة ومن الحكم فكفا عن كل مسألة واقتراح غير أنهما ذكرا أنه ربهما فأشارا إلى ما يطمعان فيه منه مع اعترافهما بالظلم.
فكان معنى قولهما: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ": أسأنا فيما ظلمنا أنفسنا فأشرنا بذلك على الخسران المهدد لعامة سعادتنا في الحياة فهو ذا الذلة والمسكنة أحاطت بنا، والحاجة إلى إمحاء وسمعة الظلم وشمول الرحمة شملتنا، ولم يدع ذلك لنا وجهة ولا كرامة نسألك بها، فها نحن مسلمون لحكمك أيها الملك العزيز فلك الامر ولك الحكم غير أنك ربنا ونحن مربوبان لك نأمل منك ما يأمله مربوب من ربه.
ومن أدبهم ما حكاه الله تعالى من دعوة نوح عليه السلام في ابنه: " وهى تجرى بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء - إلى أن قال - ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين، قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإن لا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " (هود: 47).
لا ريب أن الظاهر من قول نوح عليه السلام أنه كان يريد الدعاء لابنه بالنجاة غير أن التدبر في آيات القصة يكشف الغطاء عن حقيقة الامر بنحو آخر:
فمن جانب أمره الله بركوب السفينة هو وأهله والمؤمنون بقوله: " احمل فيها من