(طه: 109) وقوله: " وإن تشكروا يرضه لكم " (الزمر: 7) وبين القسمين من الرضى فرق فإن رضاك عن شئ هو أن لا تدفعه بكراهة ومن الممكن أن يأتي عدوك بفعل ترضاه وأنت تسخط على نفسه، وأن يأتي صديقك الذي تحبه بفعل لا ترضاه.
فقوله: " رضي الله عنهم " يدل على أن الله يرضى عن أنفسهم، ومن المعلوم أن الرضى لا يتعلق بأنفسهم ما لم يحصل غرضه جل ذكره من خلقهم، وقد قال تعالى:
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (الذاريات: 56) فالعبودية هو الغرض الإلهي من خلق الانسان فالله سبحانه إنما يرضى عن نفس عبده إذا كان مثالا للعبودية أي أن يكون نفسه نفس عبد لله الذي هو رب كل شئ فلا يرى نفسه ولا شيئا غيره إلا مملوكا لله خاضعا لربوبيته لا يؤوب إلا إلى ربه ولا يرجع إلا إليه كما قال تعالى في سليمان وأيوب: " نعم العبد إنه أواب " (ص: 44) وهذا هو الرضى عنه.
وهذا من مقامات العبودية، ولازمه طهارة النفس عن الكفر بمراتبه وعن الاتصاف بالفسق، كما قال تعالى: " ولا يرضى لعباده الكفر " (الزمر: 7)، وقال تعالى: " فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين " (التوبة: 96).
ومن آثار هذا المقام أن العبودية إذا تمكنت من نفس العبد ورأى ما يقع عليه بصره وتبلغه بصيرته مملوكا لله خاضعا لامره فإنه يرضى عن الله فإنه يجد أن كل ما آتاه الله فإنما آتاه من فضله من غير أن يتحتم عليه فهو جود ونعمة، وأن ما منعه فإنما منعه عن حكمة.
على أن الله سبحانه يذكر عنهم وهم في الجنة بقوله: " لهم فيها ما يشاؤون " (النحل: 31، الفرقان: 16)، ومن المعلوم أن الانسان إذا وجد كل ما يشاؤه لم يكن له إلا أن يرضى.
وهذا غاية السعادة الانسانية بما هو عبد، ولذلك ختم الكلام بقوله: " ذلك الفوز العظيم ".
قوله تعالى: " لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير " الملك - بالكسر - سلطة خاصة على رقبة الأشياء وأثره نفوذ الإرادة فيما يقدر عليه المالك من التصرف فيها، والملك - بالضم - سلطة خاصة على النظام الموجود بين الأشياء