قط بل بدأ بالعمل وشفعه بالقول والبيان اللفظي فإذا استكمل أحدهم تعلم معارف الدين وشرائعه استكمله وهو مجهز بالعمل الصالح مزود بزاد التقوى.
كما أن من الواجب أن يكون المعلم المربى عاملا بعلمه، فلا تأثير في العلم إذا لم يقرن بالعمل لان للفعل دلالة كما أن للقول دلالة فالفعل المخالف للقول يدل على ثبوت هيئة مخالفة في النفس يكذب القول فيدل على أن القول مكيدة ونوع حيلة يحتال بها قائله لغرور الناس واصطيادهم.
ولذلك نرى الناس لا تلين قلوبهم ولا تنقاد نفوسهم للعظة والنصيحة إذا وجدوا الواعظ به أو الناصح بإبلاغه غير متلبس بالعمل متجافيا عن الصبر والثبات في طريقه، وربما قالوا: " لو كان ما يقوله حقا لعمل به " إلا أنهم ربما اشتبه عليهم الامر في استنتاج منه فإن النتيجة أن القول ليس بحق عند القائل إذ لو كان حقا عنده لعمل به، وليس ينتج أن القول ليس بحق مطلقا كما ربما يستنتجونه.
فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلم المربى نفسه متصفا بما يصفه للمتعلم متلبسا بما يريد أن يلبسه، فمن المحال العادي أن يربى المربى الجبان شجاعا باسلا، أو يتخرج عالم حر في آرائه وأنظاره من مدرسة التعصب واللجاج وهكذا.
قال تعالى: " أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن يهدى إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون " (يونس: 35) وقال: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " (البقرة: 44) وقال حكاية عن قول شعيب لقومه: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت " (هود: 88) إلى غير ذلك من الآيات.
فلذلك كله كان من الواجب أن يكون المعلم المربى ذا ايمان بمواد تعليمه وتربيته.
على أن الانسان الخالي عن الايمان بما يقوله حتى المنافق المتستر بالاعمال الصالحة المتظاهر بالايمان الصريح الخالص لا يتربى بيده إلا من يمثله في نفسه الخبيثة فإن اللسان وإن أمكن القاء المغايرة بينه وبين الجنان بالتكلم بما لا ترضى به النفس ولا يوافقه السر إلا أن الكلام من جهة أخرى فعل، والفعل من آثار النفس ورشحاتها، وكيف يمكن مخالفة الفعل لطبيعة فاعله؟.