بما استطاع.
قوله تعالى: " قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " تقرير لصدق عيسى بن مريم (ع) على طريق التكنية فإنه لم يصرح بشخصه وإنما المقام هو الذي يفيد ذلك.
والمراد بهذا الصدق من الصادقين صدقهم في الدنيا فإنه تعالى يعقب هذه الجملة بقوله: " لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، الخ " ومن البين أنه بيان لجزاء صدقهم عند الله سبحانه فهو النفع الذي يعود إليهم من جهة الصدق والأعمال والأحوال الأخروية - ومنها صدق أهل الآخرة - لا يترتب عليها أثر النفع بمعنى الجزاء وبلفظ آخر: الأعمال والأحوال الأخروية لا يترتب عليها جزاء كما يترتب على الأعمال والأحوال الدنيوية، إذ لا تكليف في الآخرة، والجزاء من فروع التكليف، وإنما الآخرة دار حساب وجزاء كما أن الدنيا دار عمل وتكليف، قال تعالى: " يوم يقوم الحساب " (إبراهيم: 41) وقال: " اليوم تجزون ما كنتم تعملون " (الجاثية: 28) وقال تعالى: " إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار " (المؤمن: 39).
والذي ذكره عيسى (ع) من حاله في الدنيا مشتمل على قول وفعل وقد قرره الله على الصدق فالصدق الذي ذكر في الآية يشمل الصدق في الفعل كما يشمل الصدق في القول، فالصادقون في الدنيا في قولهم وفعلهم ينتفعون يوم القيامة بصدقهم، لهم الجنات الموعودة وهم الراضون المرضيون الفائزون بعظيم الفوز.
على أن الصدق في القول يستلزم الصدق في الفعل - بمعنى الصراحة وتنزه العمل عن سمة النفاق - وينتهى به إلى الصلاح، وقد روى أن رجلا من أهل البدو استوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوصاه أن لا يكذب ثم ذكر الرجل أن رعاية ما وصى به كفه عن عامة المعاصي إذ ما من معصية عرضت إلا ذكر أنه لو اقترحها ثم سئل عنها وجب عليه أن يعترف بها على نفسه ويخبر بها الناس فلم يقترفها مخافة ذلك.
قوله تعالى: " لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم " رضي الله عنهم بما قدموا إليه من الصدق، ورضوا عن الله بما آتاهم من الثواب.
وقد علق رضاه بهم أنفسهم لا بأعمالهم كما في قوله تعالى: " ورضى له قولا "