يتصداها ما دام فيهم كانت حصة يسيرة من الشهادة العامة المطلقة إلى هي شهادة الله سبحانه على شئ فإنه تعالى شهيد على أعيان الأشياء وعلى أفعالها التي منها أعمال عباده التي منها أعمال أمة عيسى ما دام فيهم وبعد توفيه، وهو تعالى شهيد مع الشهداء وشهيد بدونهم.
ومن هنا يظهر أن الحصر صادق في حقه تعالى مع قيام الشهداء على شهادتهم فإنه (ع) حصر الشهادة بعد توفيه في الله سبحانه مع أن لله بعده شهداء من عباده ورسله وهو (ع) يعلم ذلك.
ومن الدليل على ذلك بشارته عليه السلام بمجئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم - على ما يحكيه القرآن - بقوله: " يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد " (الصف: 6) وقد نص القرآن على كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشهداء قال تعالى: " وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " (النساء: 41).
على أن الله سبحانه حكى عنه هذا الحصر: " فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " ولم يرده بالابطال فالله سبحانه هو الشهيد لا غير مع وجود كل شهيد أي إن حقيقة الشهادة هي لله سبحانه كما أن حقيقة كل كمال وخير هو لله سبحانه، وأن ما يملكه غيره من كمال أو خير أو حسن فإنما هو بتمليكه تعالى من غير أن يستلزم هذا التمليك انعزاله تعالى عن الملك ولا زوال ملكه وبطلانه، وعليك بالتدبر في أطراف ما ذكرناه.
فبان بما أورده من بيان حاله المحكى عنه في الآيتين أنه برئ مما قاله الناس في حقه وأن لا عهدة عليه فيما فعلوه، ولذلك ختم (ع) كلامه بقوله: " إن تعذبهم فإنهم عبادك " إلى آخر الآية.
قوله تعالى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " لما اتضح بما أقام (ع) من الحجة أن لم يكن له من الوظيفة بالنسبة إلى الناس إلا أداء الرسالة والقيام بأمر الشهادة، وأنه لم يشتغل فيهم إلا بذلك ولم يتعده إلى ما ليس له بحق فهو غير مسؤول عما تفوهوا به من كلمة الكفر، بان أنه (ع) بمعزل عن الحكم الإلهي المتعلق بهم فيما بينهم وبين ربهم، ولذلك استأنف الكلام ثانيا فقال من غير