الرجل طالعة من البحر.
قال صاحب المقالة: فمن ذلك النشئ (أول ما ينشأ من السحاب) (1) قلت:
إن هو إلا صورة مريم على ما أحقه المفسرون بل وصورة الحبل بلا دنس أصلى، ثم قال: هذا أصل عبادة العذراء في الشرق العزيز، وهو يرتقى إلى المائة العاشرة قبل المسيح، والفضل في ذلك عائد إلى هذا النبي إيليا العظيم، ثم قال: ولذلك كان أجداد الكرمليين أول من آمن أيضا بالإله يسوع بعد الرسل والتلامذة، وأول من أقام للعذراء معبدا بعد انتقالها إلى السماء بالنفس والجسد، انتهى.
(2) قوله تعالى: " قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " إلى آخر الآية هذه الآية والتي تتلوها جواب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام عما سئل عنه وقد أتى عليه السلام فيه بأدب عجيب:
فبدأ بتسبيحه تعالى لما فاجأه أن سمع ذكر مالا يليق نسبته إلى ساحة الجلال والعظمة وهو اتخاذ الناس إلهين من دون الله شريكين له سبحانه فمن أدب العبودية أن يسبح العبد ربه إذا سمع ما لا ينبغي أن يسمع فيه تعالى أو ما يخطر بالبال تصور ذلك، وعليه جرى التأديب الإلهي في كلامه كقوله: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه " (الأنبياء: 26) وقوله: " ويجعلون لله البنات سبحانه " (النحل: 57).
ثم عاد إلى نفى ما استفهم عن انتسابه إليه، وهو أن يكون قد قال للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، ولم ينفه بنفسه بل بنفي سببه مبالغة في التنزيه فلو قال: " لم أقل ذلك أو لم أفعل لكان فيه إيماء إلى إمكان وقوعه منه لكنه لم يفعل، لكن إذا نفاه بنفي سببه فقال: " ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " كان ذلك نفيا لما يتوقف عليه ذلك القول، وهو أن يكون له أن يقول ذلك حقا فنفى هذا الحق نفى ما يتفرع عليه بنحو أبلغ نظير ما إذ قال المولى لعبده: لم فعلت ما لم آمرك أن تفعله؟ فإن أجاب العبد بقوله: " لم أفعل " كان نفيا لما هو في مظنة الوقوع، وإن