أقول: سيجئ البحث المبسوط عن أسماء الله الحسنى واسمه الأعظم الأكبر في تفسير قوله تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الآية (الأعراف: 180) ويتبين هناك أن الاسم الأكبر أو الاسم الأعظم ليس من نوع اللفظ حتى يتألف من حروف الهجاء وإنما المراد بالاسم في أمثال هذه الموارد هو المحكى عنه بالاسم اللفظي وهو الذات مأخوذا بصفة من صفاته ووجه من وجوهه، ويعود الاسم اللفظي حينئذ اسم الاسم على ما سيتضح بعد.
وعلى هذا فقوله (ع): " إن الاسم الأكبر مؤلف من ثلاثة وسبعين حرفا " ونظيره ما ورد في روايات كثيرة في هذا الباب من أن الاسم الأعظم مؤلف من كذا حرفا، وأنها متفرقة مبثوثة في كذا سورة أو أنه في كذا آية، كل ذلك بيانات مبنية على الرمز، وأمثال مضروبة لتفهيم ما يسع تفهيمه من الحقائق فما كل حقيقة ميسورا بيانها بالصراحة من غير كناية، وبالعين دون المثل.
والذي يتضح به معنى الحديث بعض الاتضاح هو أن يقال: إنه لا شك أن أسماء الله تعالى الحسنى وسائط لظهور الكون بأعيانه وحدوث حوادثه التي لا تحصى، فإنا لا نشك في أن الله سبحانه خلق خلقه لأنه خالق جواد مبدئ مثلا لا لأنه منتقم شديد البطش، وأنه إنما يرزق من يرزق لأنه رازق معط مثلا لا لأنه قابض مانع، وأنه إنما يفيض الحياة للاحياء لأنه الحي المحيى لا لأنه مميت معيد، والآيات القرآنية أصدق شاهد على هذه الحقيقة، فإنا نرى المعارف المبينة في متون الآيات معللة بالأسماء المناسبة لمعانيها في ذيلها فربما اختتمت الآية لبيان ما تضمه من المعنى باسم، وربما اختتمت باسمين يفيدان بمجموعهما المعنى المذكور فيها.
ومن هنا يظهر أن الواحد منا لو رزق علم الأسماء وعلم الروابط التي بينها وبين الأشياء وما تقضيه أسماؤه تعالى مفردة ومؤلفة علم النظام الكونى بما جرى وبما يجرى عليه عن قوانين كلية منطبقة على جزئياتها واحدا بعد واحد.
وقد بين القرآن الشريف على ما يفهم من ظواهره قوانين عامة كثيرة في المبدأ والمعاد وما رتبه الله تعالى من أمر السعادة والشقاوة ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ".