بقوله: " ربى وربكم " لئلا يبقى أدنى شائبة من الوهم في أنه عبد رسول يدعو إلى الله ربه ورب جميع الناس وحده لا شريك له.
وعلى هذه الصراحة كان يسلك عيسى بن مريم عليه السلام في دعوته ما دعاهم إلى التوحيد على ما يحكى عنه القرآن الشريف، قال تعالى حكاية عنه: " إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " (الزخرف: 64) وقال: " وإن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " (مريم: 36).
قوله تعالى: " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد " ثم ذكر عليه السلام وظيفته الثانية من جانب الله سبحانه وهو الشهادة على أعمال أمته كما قال تعالى: " ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " (النساء: 159).
يقول عليه السلام ما كان لي من الوظيفة فيهم إلا الرسالة إليهم والشهادة على أعمالهم:
أما الرسالة فقد أديتها على أصرح ما يمكن، وأما الشهادة فقد كنت عليها ما دمت فيهم، ولم أتعد ما رسمت لي من الوظيفة فأنا براء من أن أكون القى إليهم أن اتخذوني وأمي إلهين من دون الله.
وقوله: " فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " الرقوب والرقابة هو الحفظ، والمراد به في المقام بدلالة السياق هو الحفظ على الأعمال، وكأنه أبدل الشهيد من الرقيب احتراز عن تكرر اللفظ بالنظر إلى قوله بعد: " وأنت على كل شئ شهيد "، ولا نكتة تستدعى الاتيان بلفظ " الشهيد " ثانيا بالخصوص.
واللفظ أعني قوله: " كنت أنت الرقيب عليهم " يدل على الحصر، ولازمه أنه تعالى كان شهيدا ما دام عيسى عليه السلام شهيدا وشهيدا بعده، فشهادته عليه السلام كانت وساطة في الشهادة لا شهادة مستقلة على حد سائر التدبيرات الإلهية التي وكل عليها بعض عبادة ثم هو على كل شئ وكيل كالرزق والاحياء والإماتة والحفظ والدعوة والهداية وغيرها، والآيات الشريفة في ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها.
ولذلك عقب عليه السلام قوله: " فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " بقوله:
" وأنت على كل شئ شهيد " ليدل بذلك على أن الشهادة على أعمال أمته التي كان