قال: " إنا أعجز من ذلك " كان نفيا بنفي السبب وهو القدرة، وإنكارا لأصل إمكانه فضلا عن الوقوع. وقوله: " ما يكون لي إن أقول ما ليس لي بحق " إن كان لفظ " يكون " ناقصة فاسمها قوله: " أن أقول " وخبرها قوله: " لي " واللام للملك، والمعنى: ما أملك ما لم أملكه وليس من حقي القول بغير حق، وإن كانت تامة فلفظ " لي " متعلق بها وقوله: " أن أقول، الخ " فاعلها، والمعنى: ما يقع لي القول بغير حق، والأول من الوجهين أقرب، وعلى أي حال يفيد الكلام نفى الفعل بنفي سببه.
وقوله عليه السلام: " إن كنت قلته فقد علمته " نفى آخر للقول المستفهم عنه لا نفيا لنفسه بنفسه بل بنفي لازمه فإن لازم وقوع هذا القول أن يعلم به الله لأنه الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء وهو القائم على كل نفس بما كسبت، المحيط بكل شئ.
وهذا الكلام منه عليه السلام يتضمن أولا فائدة إلقاء القول مع الدليل من غير أن يكتفى بالدعوى المجردة، وثانيا الاشعار بأن الذي كان يعتبره في أفعاله وأقواله هو علم الله سبحانه من غير أن يعبأ بغيره من خلقه علموا أو جهلوا، فلا شأن له معهم.
وبلفظ آخر السؤال إنما يصح طبعا في ما كان مظنة الجهل فيراد به نفى الجهل وإفادة العلم، إما لنفس السائل إذا كان هو الجاهل بواقع الامر، أو لغيره إذا كان السائل عالما وأراد أن يعلم غيره بما يعلم هو من واقع الامر كما يحمل عليه نوع السؤال الواقع في كلامه تعالى، وقوله عليه السلام في الجواب في مثل المقام: " إن كنت قلته فقد علمته " إرجاع للامر إلى علمه تعالى وإشعار أنه لا يعتبر شيئا في أفعاله وأقواله غير علمه تعالى.
ثم أشار بقوله: " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب " ليكون تنزيها لعلمه تعالى عن مخالطة الجهل إياه، وهو وإن كان ثناء أيضا في نفسه لكنه غير مقصود لان المقام ليس بمقام الثناء بل مقام التبري عن انتساب ما نسب إليه.
فقوله عليه السلام: " تعلم ما في نفسي " توضيح لنفوذ العلم الذي ذكره في قوله:
" إن كنت قلته فقد علمته " وبيان أن علمه تعالى بأعمالنا وهو الملك الحق يومئذ ليس من قبيل علم الملوك منا بأحوال رعيته بارتفاع أخبار المملكة إليه ليعلم بشئ ويجهل بشئ، ويستحضر حال بعض ويغفل عن حال بعض، بل هو سبحانه لطيف خبير