وغيرهما عن الحسن ومجاهد قالا: إنها لم تنزل وإن القوم لما سمعوا الشرط استعفوا عن نزولها وقالوا: لا نريدها ولا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
والحق ان الآية ظاهرة الدلالة على النزول فإنها تتضمن الوعد الصريح بالنزول وحاشاه تعالى ان يجود لهم بالوعد الصريح وهو يعلم أنهم سيستعفون عنها فلا تنزل، والوعد الذي في الآية صريح والشرط الذي في الآية يتضمن تفرع العذاب وترتبه على الكفر بعد النزول، وبعبارة أخرى: الآية تتضمن الوعد المطلق بالانزال ثم تفريع العذاب على الكفر لا انها تشتمل على الوعد بالانزال على تقدير قبولهم العذاب على الكفر، حتى يرتفع موضوع الوعد عند عدم قبولهم الشرط فلا تنزل المائدة باستعفائهم عن نزولها، فافهم.
وكيف كان فاشتمال وعده تعالى بانزال المائدة على الوعيد الشديد بعذاب الكافرين بها منهم ليس ردا لدعاء عيسى (ع) وإنما هو استجابة له غير أنه لما كان ظاهر الاستجابة بعد الدعاء - على ما له من السياق - ان هذه الآية تكون رحمة مطلقة منه لهم يتنعم بها آخرهم وأولهم، قيد تعالى هذا الاطلاق بالشرط الذي شرط عليهم، ومحصله ان هذا العيد الذي خصهم الله به لا ينتفع به جميعهم بل إنما ينتفع به المؤمنون المستمرون على الايمان منهم، وأما الكافرون بها فيستضرون بها أشد الضرر.
فالآيتان في كلامه تعالى من حيث إطلاق الدعاء بحسب لازمه وتقييد الاستجابة كقوله تعالى: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " (البقرة: 124) وقوله تعالى حكاية عن موسى (ع): " أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " (الأعراف: 156).
وقد عرفت فيما تقدم ان السبب الأصلي في هذا العذاب الموعود الذي يختص بهم إنما هو اقتراحهم آية هي في نوعها مختصة بهم لا يشاركهم فيها غيرهم من الأمم فإذا أجيبوا إلى ذلك أوعدوا على الكفر عذابا لا يشاركهم فيها غيرهم كما شرفوا بمثل ذلك.
ومن هنا يظهر ان المراد بالعالمين عالمو جميع الأمم عالمو زمانهم فإن ذلك