من سنخ غير الله سبحانه وأما كون ذلك مقارنا لنفى الوهيته تعالى أو إثباتها فهو مسكوت عنه لا يدل عليه لفظ وإنما يعلم من خارج، والنصارى لا ينفون الوهيته تعالى مع اتخاذهم المسيح وامه إلهين من دون الله سبحانه.
وربما استشكل بعضهم الآية بأن النصارى غير قائلين بالوهية مريم العذراء (ع)، وذكروا في توجيهها وجوها.
لكن الذي يجب أن يتنبه عليه أن الآية إنما ذكرت اتخاذهم إياها إلهة ولم يذكر قولهم بأنها إلهة بمعنى التسمية، واتخاذ الاله غير القول بالألوهية إلا من باب الالتزام، واتخاذ الاله يصدق بالعبادة والخضوع العبودي قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " (الجاثية: 23) وهذا المعنى مأثور عن أسلاف النصارى مشهود في أخلافهم.
قال الآلوسي في روح المعاني: إن أبا جعفر الامامي حكى عن بعض النصارى أنه كان فيما مضى قوم يقال لهم: " المريمية " يعتقدون في مريم أنها إله.
وقال في تفسير المنار: أما اتخاذهم المسيح إلها فقد تقدم في مواضع من تفسير هذه السورة، وأما امه فعبادتها كانت متفقا عليها في الكنائس الشرقية والغربية بعد قسطنطين، ثم أنكرت عبادتها فرقة البروتستانت التي حدثت بعد الاسلام بعدة قرون (1).
إن هذه العبادة التي توجهها النصارى إلى مريم والدة المسيح (ع) منها ما هو صلاة ذات دعاء وثناء واستغاثة واستشفاع، ومنها صيام ينسب إليها ويسمى باسمها، وكل ذلك يقرن بالخضوع والخشوع لذكرها ولصورها وتماثيلها، واعتقاد السلطة الغيبية لها التي يمكنها بها في اعتقادهم أن تنفع وتضر في الدنيا والآخرة بنفسها أو بواسطة ابنها، وقد صرحوا بوجوب العبادة لها، ولكن لا يعرف عن فرقة من فرقهم إطلاق كلمة " إله " عليها بل يسمونها " والدة الاله " ويصرح بعض فرقهم أن ذلك حقيقة لا مجاز.