ما حده الله سبحانه له فلم يقل إلا ما أمر أن يقول ذلك، واشتغل بالعمل بما كلفه الله أن يشتغل به وهو أمر الشهادة، وقد صدقه الله تعالى فيما ذكره من حق الربوبية والعبودية.
وبهذا تنطبق الآيات على الغرض النازل لأجله السورة، وهو بيان الحق المجعول لله على عباده أن يفوا بالعهد الذي عقدوه وأن لا ينقضوا الميثاق، فليس لهم أن يسترسلوا كيفما أرادوا وأن يرتعوا رغدا حيث شاؤوا فلم يملكوا هذا النوع من الحق من قبل ربهم، ولا أنهم قادرون على ذلك من حيال أنفسهم، ولله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير، وبذلك تختتم السورة.
قوله تعالى: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " " إذ " ظرف متعلق بمحذوف يدل عليه المقام، والمراد به يوم القيامة لقوله تعالى فيها: " قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " وقول عيسى عليه السلام فيها " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم ".
وقد عبرت الآية عن مريم بالأمومة فقيل: " اتخذوني وأمي إلهين " دون ان يقال: " اتخذوني ومريم إلهين " للدلالة على عمدة حجتهم في الألوهية وهو ولادته منها بغير أب، فالبنوة والأمومة الكذائيتين هما الأصل في ذلك فالتعبير به وبأمه أدل وأبلغ من التعبير بعيسى ومريم.
و " دون " كلمة تستعمل بحسب المآل في معنى الغير، قال الراغب: يقال للقاصر عن الشئ " دون " قال بعضهم: هو مقلوب من الدنو، والأدون الدنى، وقوله تعالى: " لا تتخذوا بطانة من دونكم " أي من لم يبلغ منزلتكم في الديانة، وقيل:
في القرابة، وقوله: " ويغفر ما دون ذلك " أي ما كان أقل من ذلك، وقيل: ما سوى ذلك، والمعنيان متلازمان، وقوله: " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " أي غير الله، انتهى.
وقد استعمل لفظ " من دون الله " كثيرا في القرآن في معنى الاشراك دون