غير مقصودة وحدها حتى يتعلق بها عتاب أو سخط، وإلا فلو كانت مقصودة وحدها من حيث كونها آية لم تخل مسألتها من نتيجة غير مطلوبة فإن جميع المزايا الحسنة التي كان يمكن أن يراد بها كانت ممكنة الحصول بالآيات المشهودة كل يوم منه عليه السلام للحواريين وغيرهم.
وقوله: " وارزقنا وأنت خير الرازقين " وهذه فائدة أخرى عدها مترتبة على ما سأله من العيد من غير أن تكون مقصودة بالذات، وقد كان الحواريون ذكروه مطلوبا بالذات حيث قالوا: " نريد أن نأكل منها " فذكروه مطلوبا لذاته وقدموه على غيره، لكنه عليه السلام عده غير مطلوب بالذات وأخره عن الجميع وأبدل لفظ الاكل من لفظ الرزق فأردفه بقوله " وأنت خير الرازقين ".
والدليل على ما ذكرنا انه (ع) جعل ما أخذوه أصلا فائدة مترتبة أنه سأل أولا لجميع أمته ونفسه، وهو سؤال العيد الذي أضافه إلى سؤالهم فصار بذلك كونها آية من الله ورزقا وصفين خاصين للبعض دون البعض كالفائدة المترتبة غير الشاملة.
فانظر إلى أدبه (ع) البارع الجميل مع ربه، وقس كلامه إلى كلامهم - وكلا الكلامين يؤمان نزول المائدة - تر عجبا فقد أخذ (ع) لفظ سؤالهم فأضاف وحذف، وقدم وأخر، وبدل وحفظ حتى عاد الكلام الذي ما كان ينبغي أن يوجه به إلى حضرة العزة وساحة العظمة أجمل كلام يشتمل على أدب العبودية، فتدبر في قيود كلامه (ع) تر عجبا.
قوله تعالى: " قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني اعذبه عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين " قرأ أهل المدينة والشام وعاصم " منزلها " بالتشديد والباقون " منزلها " بالتخفيف - على ما في المجمع - والتخفيف أوفق لان الانزال هو الدال على النزول الدفعي، وكذلك نزلت المائدة، وأما التنزيل فاستعماله الشائع إنما هو في النزول التدريجي كما تقدم كرارا.
وقوله تعالى: " إني منزلها عليكم " وعد صريح بالانزال وخاصة بالنظر إلى الاتيان به في هيئة اسم الفاعل دون الفعل، ولازم ذلك أن المائدة قد نزلت عليهم.
وذكر بعض المفسرين أنها لم تنزل كما روى ذلك في الدر المنثور ومجمع البيان