مسير حياته كالشمعة الصغيرة يحملها طارق الليل المظلم لا ينتفع من نورها إلا أن يميز ما يضع عليه قدمه من الأرض.
فما يتعلق به علم الانسان ناشب بوجوده متعلق بواقعيته بأطراف ثم بأطراف أطراف، وهكذا كل ذلك في غيب من إدراك الانسان فلا يتعلق العلم بحقيقة معنى الكلمة بشئ إلا إذا كان متعلقا بجميع الغيوب في الوجود، ولا يسع ذلك لمخلوق محدود مقدر إنسانا أو غيره إلا لله الواحد القهار الذي عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، قال الله تعالى: " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " (البقرة: 216) فدل على أن من طبع الانسان الجهل فلا يرزق من العلم إلا محدودا مقدرا كما قال تعالى: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " (الحجر: 21) وهو قوله عليه السلام:
حيث سئل عن علة احتجاب الله عن خلقه فقال: لأنه بناهم بنية على الجهل، وقال تعالى: " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء " (البقرة: 255) فدل على أن العلم كله لله، وإنما يحيط منه الانسان بما شاء الله، وقال تعالى: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " (الاسراء: 85) فدل على أن هناك علما كثيرا لم يؤت الانسان إلا قليلا منه.
فإذن حقيقة الامر أن العلم حق العلم لا يوجد عند غير الله سبحانه، وإذ كان يوم القيامة يوما يظهر فيه الأشياء بحقائقها على ما تفيده الآيات الواصفة لامره فلا مجال فيه إلا للكلام الحق كما قال تعالى: " لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، ذلك اليوم الحق " (النبأ: 39) كان من الجواب الحق إذا ما سئل الرسل فقيل لهم:
" ما ذا أجبتم " أن يجيبوا بنفي العلم عن أنفسهم لكونه من الغيب، ويثبتوه لربهم سبحانه بقولهم: " لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ".
وهذا الجواب منهم عليهم السلام نحو خضوع لحضرة العظمة والكبرياء واعتراف بحاجتهم الذاتية وبطلانهم الحقيقي قبال مولاهم الحق رعاية لأدب الحضور وإظهارا لحقيقة الامر، وليس جوابا نهائيا لا جواب بعده البتة:
أما أولا فلان الله سبحانه جعلهم شهداء على أممهم كما ذكره في قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " (النساء: 41) وقال:
" ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء " (الزمر: 69) ولا معنى لجعلهم شهداء