بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم " (المائدة: 106) والخطاب في الآيتين للمؤمنين فاشتراط كون الشاهدين ذوي عدل منهم مفاده كونهما ذوي حالة معتدلة متوسطة بالنسبة إلى مجتمعهم الديني، وأما بالقياس إلى المجتمع القومي والبلدي فالاسلام لا يعبأ بأمثال هذه الروابط غير الدينية، وظاهر أن محصل كونهما على حالة معتدلة بالقياس إلى المجتمع الديني هو كونهما ممن يوثق بدينه غير مقترفين ما يعد من المعاصي الكبيرة الموبقة في الدين، قال تعالى: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " (النساء: 31)، وقد تكلمنا في معنى الكبائر في ذيل الآية في الجزء الرابع من هذا الكتاب.
وعلى هذا المعنى جرى كلامه تعالى في قوله: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " (النور: 5) ونظير الآية السابقة الشارطة للعدالة قوله تعالى: " ممن ترضون من الشهداء " (البقرة: 282) فإن الرضا المأخوذ في الآية هو الرضا من المجتمع الديني، ومن المعلوم أن المجتمع الديني بما هو ديني لا يرضى أحدا إلا إذا كان على نوع من السلوك يوثق به في أمر الدين.
وهذا هو الذي نسميه في فن الفقه بملكة العدالة وهى غير ملكة العدالة بحسب اصطلاح فن الأخلاق فان العدالة الفقهية هي الهيئة النفسانية الرادعة عن ارتكاب الكبائر بحسب النظر العرفي، والتي في فن الأخلاق هي الملكة الراسخة بحسب الحقيقة.
والذي استفدناه من معنى العدالة هو الذي يستفاد من مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام على ما ورد من طرقهم:
ففي الفقيه بإسناده عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه (1) بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد