وحضور الموت كناية عن حضور داعى الوصية فإن الناس بحسب الطبع لا يشتغلون بأمثال هذه الأمور من غير حضور أمر يوجب الظن بالموت، وهو عادة المرض الشديد الذي يشرف الانسان به على الموت.
وقوله: " حين الوصية " ظرف متعلق بالشهادة أي الشهادة حين الوصية، والمراد بالعدل - وهو مصدر - الاستقامة في الامر، وقرينة المقام تعطى أن المراد به الاستقامة في أمر الدين، ويتعين بذلك أن المراد بقوله: " منكم " وقوله: " من غيركم " المسلمون وغير المسلمين، دون القرابة والعشيرة فإن الله سبحانه قابل بين قوله: " اثنان " وقوله:
" آخران "، ثم وصف الأول بقوله " ذوا عدل " وقوله: " منكم " ولم يصف الثاني إلا بقوله: " من غيركم " دون أن يصفه بالعدالة، والاتصاف بالاستقامة في الدين وعدمه إنما يختلف في المسلم وغير المسلم، ولا موجب لاعتبار العدالة في الشهود إذا كانوا قرابة أو من عشيرة المشهود له وإلغائها إذا كان الشاهد أجنبيا.
وعلى هذا فقوله: " أو آخران من غيركم " ترديد على سبيل الترتيب أي إن كان هناك نفر من المسلمين يستشهد اثنان منهم، وإن لم يكن إلا من غير المسلمين يستشهد باثنين منهم، كل ذلك بالاستفادة من قرينة المقام.
وهذه القرينة بعينها هي التي توجب أن يكون قوله: " إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " قيدا متعلقا بقوله: " أو آخران من غيركم " فإن المسلم لما كان بالطبع إنما يعيش في مجتمع المسلمين لا تمس الحاجة في الحضر عادة إلى الاستشهاد بشهيدين من غير المسلمين بخلاف حالة السفر والضرب في الأرض فإنها مظنة وقوع أمثال هذه الوقائع والاضطرار ومسيس الحاجة إلى الانتفاع من غير المسلم بشهادة أو غيرها.
وقرينة المقام أعني المناسبة بين الحكم والموضوع بالذوق المتخذ من كلامه تعالى تدل على أن المراد من غير المسلمين أهل الكتاب خاصة لان كلامه تعالى لا يشرف المشركين بكرامة.
وقوله تعالى: " تحبسونهما من بعد الصلاة " أي توقفونهما، والحبس الايقاف " فيقسمان بالله " أي الشاهدان " إن ارتبتم " أي شككتم فيما يظهره الوصي من أمر الوصية أو المال الذي تعلقت به الوصية أو في كيفية الوصية، والمقسم عليه هو قوله: