وقد روى في الدر المنثور عن مفسري السلف قول جمع منهم بذلك كابن مسعود وابن عمر وأبى بن كعب وابن عباس ومكحول، وما روى في ذلك من الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير دالة على ذلك.
وهى ما عن الترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبى الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع هذه الآية؟ قال: أيه آية؟ قال: (1) قوله: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام فإن من ورائكم أيام الصبر، الصابر فيهن كالقابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم.
أقول: وفي هذا المعنى ما رواه ابن مردويه عن معاذ بن جبل عنه صلى الله عليه وآله وسلم، والرواية إنما تدل على أن الامر بالمعروف و النهى عن المنكر لم يرتفعا بالآية.
وفي الدر المنثور: أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي عامر الأشعري: أنه كان فيهم شئ فاحتبس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أتاه فقال: ما حبسك؟ قال: يا رسول الله قرأت هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أين ذهبتم؟ إنما هي: لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم.
أقول: والرواية كما ترى تخص الامر في الآية بالترخيص في ترك دعوة الكفار إلى الحق وتصرفها عن الترخيص في ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر في الفروع مع أن آيات وجوب الدعوة وما يتبعها من آيات الجهاد ونحوها لا تقصر في الاباء عن ذلك عن آيات الامر بالمعروف والنهى عن المنكر.