فسمى النفس دما بل الدم نفسا سائلة أو غير سائلة.
وربما دعى الانسان ما يشاهده من أمر النطفة أن المنى حينما يلتقمه الرحم ويطرؤه التطور الكونى طورا بعد طور هو الذي يصير إنسانا، ان يذهب إلى أن النفس الانسانية هي الاجزاء الأصلية المجتمعة في النطفة، وهى باقية في البنية البدنية مدى الحياة، وربما ذهب الذاهب إلى أنها مصونة عن التغير والبطلان، وان الانسانية باقية ببقائها لا تنالها يد الحدثان ولا انها تقبل البطلان والانعدام مع أن النفس الانسانية لو كانت هذه الاجزاء المنعوتة سواء اشترطنا فيها الاجتماع على هيئة خاصة أو لم نشترط استلزم ذلك القول بمحالات كثيرة مذكورة في محله.
فهذه الأقاويل وأمثالها لا تنافى ما يناله الانسان وهو إنسان من حقيقة قوله:
" أنا " و " نفسي " ولا يخطئ فيه البتة إذ ليس من البعيد ان نكون ندرك حقيقة من الحقائق الكونية إجمالا إدراكا غير خاطئ ثم نأخذ في البحث عن هويته وواقع أمره تفصيلا فنخطئ فيه عند ذاك، فهناك موضوعات علمية كثيرة كالمحسوسات الظاهرية أو الباطنية نشاهدها مشاهدة عيان - على الرغم من السوفسطائيين والشكاكين - ثم العلماء لا يزالون يختلفون في أمرها خلفا عن سلف.
وكذلك العامة من غير أهل البحث يشاهدون من أنفسهم ما يشاهده الخاصة من غير فرق البتة وهم على جهل من أمر تفصيله عاجزون عن تفسير الخصوصيات وجوده.
وبالجملة مما لا ريب فيه أن الانسان في جميع أحيان وجوده يشاهد أمرا غير خارج منه يعبر عنه بأنا ونفسي، وإذا لطف نظره وتعمق خائضا فيما يجده في مشاهدته هذه وجده شيئا على خلاف ما يجده من الأمور الجسمانية القابلة للتغير والانقسام والاقتران بالمكان والزمان، ووجده غير هذا البدن المادي المحكوم بأحكام المادة بأعضائه وأجزائه فإنه ربما نسى أي عضو من أعضائه أو غفل عن جميع بدنه وهو لا ينسى نفسه ولا يغفل عنها، دع عنك ما ربما تقوله: نسيت نفسي، غفلت عن نفسي، ذهلت عن نفسي فهذه مجازات عن عنايات نفسانية مختلفة، ألا ترى أنك تسند النسيان والغفلة والذهول حينئذ إلى نفسك وتحكم بأن نفسك الشاعرة شعرت بأمر وغفلت عن أمر تسميه نفسك كالبدن ونحوه؟.