بالله سبحانه، ورد أولا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية أخرى: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه، وثانيا بأن الحديث في معنى عكس النقيض لقوله تعالى: " ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ".
وفيه عنه عليه السلام: قال: الكيس من عرف نفسه وأخلص أعماله.
أقول: تقدم في البيان السابق معنى ارتباط الاخلاص وتفرعه على الاشتغال بمعرفة النفس.
وفيه عنه عليه السلام: قال: المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين.
أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتين المعرفة بالآيات الأنفسية والمعرفة بالآيات الآفاقية، قال تعالى: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد " " حم السجدة: 53 " وقال تعالى: " وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون " (الذاريات: 21).
وكون السير الا نفسي أنفع من السير الآفاقي لعله لكون المعرفة النفسانية لا تنفك عادة من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقية، وذلك أن كون معرفة الآيات نافعة إنما هو لان معرفة الآيات بما هي آيات موصلة إلى معرفة الله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ككونه تعالى حيا لا يعرضه موت، وقادرا لا يشوبه عجز، وعالما لا يخالطه جهل، وأنه تعالى هو الخالق لكل شئ، والمالك لكل شئ، والرب القائم على كل نفس بما كسبت، خلق الخلق لا لحاجة منه إليهم بل لينعم عليهم بما استحقوه ثم يجمعهم ليوم الجمع لا ريب فيه ليجزى الذين أساؤوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى.
وهذه وأمثالها معارف حقة إذا تناولها الانسان وأتقنها مثلت له حقيقة حياته، وأنها حياة مؤبدة ذات سعادة دائمة أو شقوة لازمة، وليست بتلك المتهوسة المنقطعة اللاهية اللاغية، وهذا موقف علمي يهدى الانسان إلى تكاليف ووظائف بالنسبة إلى ربه وبالنسبة إلى أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهى التي نسميها بالدين، فإن السنة التي يلتزمها الانسان في حياته، ولا يخلو عنها حتى البدوي والهمجي إنما يضعها ويلتزمها أو يأخذها ويلتزمها لنفسه من حيث إنه يقدر لنفسه نوعا من الحياة أي نوع كان،