وبصيرا، ولا أخفى عليه شيئا من جنة ولا نار، وأعرفه ما يمر على الناس في القيامة من الهول والشدة، وما أحاسب به الأغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وأنومه في قبره وأنزل عليه منكرا ونكيرا حتى يسألاه، ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع، ثم أنصب له ميزانه وأنشر ديوانه، ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشورا ثم لا أجعل بيني وبينه ترجمانا، فهذه صفات المحبين.
يا أحمد اجعل همك هما واحدا، واجعل لسانك لسانا واحدا، واجعل بدنك حيا لا يغفل أبدا، من يغفل عنى لا أبالى بأي واد هلك ".
و الروايات الثلاثة الأخيرة وإن لم يكن من أخبار هذا البحث المعقود على الاستقامة إلا أنا إنما أوردناها ليقضى الناقد البصير بما قدمناه من أن المعرفة الحقيقية لا تستوفى بالعلم الفكري حق استيفائها فإن الروايات تذكر أمورا من المواهب الإلهية المخصوصة بأوليائه لا ينتجها السير الفكري البتة.
وهى أخبار مستقيمة صحيحة تشهد على صحتها الكتاب الإلهي على ما سنبين ذلك فيما سيوافيك من تفسير سورة الأعراف إن شاء الله العزيز.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " (الآية)، قال: قال عليه السلام: أصلحوا أنفسكم ولا تتبعوا عورات الناس ولا تذكروهم فإنه لا يضركم ضلالتهم إذا أنتم صالحون.
أقول: والرواية منطبقة على ما قدمناه في البيان السابق أن الآية متوجهة إلى النهى عن التعرض لاصلاح حال الناس أزيد من متعارف الدعوة والامر بالمعروف و النهى عن المنكر، وليست مسوقة للترخيص في ترك فريضة الدعوة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وفي نهج البيان عن الصادق عليه السلام: أنه قال: نزلت هذه الآية في التقية.
أقول: مفاد الرواية أن الآية خاصة بصورة التقية من أهل الضلال في الدعوة إلى الحق والامر بالمعروف والنهى عن المنكر لمكان اشتراط ذلك شرعا بعدم التقية، وقد تقدم في البيان السابق أن ظاهر الآية لا تساعد على ذلك.