وعند ذلك يتبدل إدراك النفس وشعورها، ويهاجر من موطن الشرك إلى موقف العبودية ومقام التوحيد، ولا يزال يعوض شركا من توحيد وتوهما من تحقق وبعدا من قرب واستكبارا شيطانيا من تواضع رحماني واستغناء وهميا من فقر عبودي إن أخذت بيدها العناية الإلهية وساقها سائق التوفيق.
ونحن وإن كان لا يسعنا أن نفقه هذه المعاني حق الفقه لمكان إخلادنا إلى الأرض واشتغالنا عن الغوص في أغوار هذه الحقائق التي يكشف عنها الدين ويشير إليها الكتاب الإلهي بما لا يعنينا من فضولات هذه الحياة الفانية التي لا يعرفها الكلام الإلهي في بيانه إلا بأنها لعب ولهو كما قال تعالى: " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو " (الانعام: 32) وقال تعالى: " ذلك مبلغهم من العلم " (النجم: 30).
إلا أن الاعتبار الصحيح والبحث البالغ والتدبر الوافي يوصلنا إلى التصديق بكلياتها إجمالا وإن قصرنا عن إحصاء التفاصيل والله الهادي.
ولعلنا خرجنا عن طور الاختصار فلنرجع إلى أول الكلام فنقول: وتسع الآية أن تحمل على الخطاب الاجتماعي بأن يكون المخاطب بقوله: " يا أيها الذين آمنوا " مجتمع المؤمنين فيكون المراد بقوله: " عليكم أنفسكم " هو إصلاح المؤمنين مجتمعهم الاسلامي باتخاذ صفة الاهتداء بالهداية الإلهية بأن يحتفظوا على معارفهم الدينية والأعمال الصالحة والشعائر الاسلامية العامة كما قال تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " (آل عمران: 103) وقد تقدم في تفسيره أن المراد بهذا الاعتصام الاجتماعي الاخذ بالكتاب والسنة.
ويكون قوله: " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " يراد به أنهم في أمن من أضرار المجتمعات الضالة غير الاسلامية فليس من الواجب على المسلمين أن يبالغوا الجد في انتشار الاسلام بين الطوائف غير المسلمة أزيد من الدعوة المتعارفة كما تقدم.
أو أنه لا يجوز لهم أن ينسلوا مما بأيديهم من الهدى من مشاهدة ما عليه المجتمعات الضالة من الانهماك في الشهوات والتمتع من مزايا العيش الباطلة فإن الجميع مرجعهم إلى الله فينبئهم بما كانوا يعملون، وتجرى الآية على هذا مجرى قوله تعالى: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " (آل عمران: