أريد به نهى المؤمنين عن التأثر من ضلال من ضل من الناس فيحملهم ذلك على ترك طريق الهداية كأن يقولوا: إن الدنيا الحاضرة لا تساعد الدين ولا تبيح التنحل بالمعنويات فإنما ذلك من السنن الساذجة وقد مضى زمنه وانقرض أهله، قال تعالى: " وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " (القصص: 57).
أو يخافوا ضلالهم على هدى أنفسهم فيشتغلوا بهم وينسوا أنفسهم فيصيروا مثلهم فإنما الواجب على المؤمن هو الدعوة إلى ربه والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وبالجملة الاخذ بالأسباب العادية ثم إيكال أمر المسببات إلى الله سبحانه فإليه الامر كله، فأما أن يهلك نفسه في سبيل إنقاذ الغير من الهلكة فلم يؤمر به، ولا يؤاخذ بعمل غيره، وما هو عليه بوكيل، وعلى هذا فتصير الآية في معنى قوله تعالى: " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا، إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا، وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " (الكهف: 8)، وقوله تعالى: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " (الرعد: 31) ونحو ذلك.
وقد تبين بهذا البيان أن الآية لا تنافى آيات الدعوة وآيات الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن الآية إنما تنهى المؤمنين عن الاشتغال بضلال الناس عن اهتداء أنفسهم وإهلاك أنفسهم في سبيل إنقاذ غيرهم وإنجائه.
على أن الدعوة إلى الله والامر بالمعروف والنهى عن المنكر من شؤون اشتغال المؤمن بنفسه وسلوكه سبيل ربه، وكيف يمكن أن تنافى الآية آيات الدعوة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر أو تنسخها؟ وقد عدهما الله سبحانه من مشخصات هذا الدين وأسسه التي بنى عليها كما قال تعالى: " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " (يوسف: 108) وقال تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " (آل عمران: 110).
فعلى المؤمن أن يدعو إلى الله على بصيرة وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على سبيل أداء الفريضة الإلهية وليس عليه أن يجيش ويهلك نفسه حزنا أو يبالغ في الجد في تأثير ذلك في نفوس أهل الضلال فذلك موضوع عنه.