الهداية والطرق المسلوكة لأهل الضلال تنتهى إلى الله سبحانه، وعنده سبحانه الغاية المقصودة وإن كانت تلك الطرق مختلفة في إيصال الانسان إلى البغية والفوز والفلاح أو ضربه بالخيبة والخسران، وكذلك في القرب والبعد كما قال تعالى: " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " (الانشقاق: 6) وقال تعالى: " ألا إن حزب الله هم المفلحون " (المجادلة: 22) وقال تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " (إبراهيم: 28) وقال تعالى: " فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " (البقرة: 186) وقال تعالى: " والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " (حم السجدة: 44).
بين تعالى في هذه الآيات أن الجميع سائرون إليه سبحانه سيرا لا مناص لهم عنه، غير أن طريق بعضهم قصير وفيه الرشد والفلاح، وطريق آخرين طويل لا ينتهى إلى سعادة، ولا يعود إلى سالكه إلا الهلاك والبوار.
وبالجملة فالآية تقدر للمؤمنين وغيرهم طريقين اثنين ينتهيان إلى الله سبحانه، وتأمر المؤمنين بأن يشتغلوا بأنفسهم وينصرفوا عن غيرهم وهم أهل الضلال من الناس ولا يقعوا فيهم ولا يخافوا ضلالهم فإنما حسابهم على ربهم لا على المؤمنين وليسوا بمسؤلين عنهم حتى يهمهم أمرهم، فالآية قريبة المضمون من قوله تعالى: " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون " (الجاثية: 14) ونظيرها قوله تعالى: " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون " (البقرة: 134).
فعلى المؤمن أن يشتغل بما يهم نفسه من سلوك سبيل الهدى، ولا يهزهزه ما يشاهده من ضلال الناس وشيوع المعاصي بينهم ولا يشغله ذلك ولا يشتغل بهم فالحق حق وإن ترك والباطل باطل وإن أخذ به كما قال تعالى: " قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون " (المائدة: 100) وقال تعالى: " ولا تستوى الحسنة ولا السيئة " (حم السجدة: 34).
فقوله تعالى: " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بناء على ما مر مسوق سوق الكناية