قال: فلعلك تأخذ موسى فتقطع آذان طائفة منها، وتقول: هذه بحر، وتشق آذان طائفة منها وتقول: هذه الصرم؟ قلت: نعم، قال: فلا تفعل إن كل ما آتاك الله لك حل، ثم قال: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.
* * * يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون - 105.
(بيان) الآية تأمر المؤمنين أن يلزموا أنفسهم، ويلازموا سبيل هدايتهم ولا يوحشهم ضلال من ضل من الناس فإن الله سبحانه هو المرجع الحاكم على الجميع حسب أعمالهم، والكلام مع ذلك لا يخلو عن غور عميق.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " لفظة " عليكم " اسم فعل بمعنى ألزموا، و " أنفسكم " مفعوله.
ومن المعلوم أن الضلال والاهتداء - وهما معنيان متقابلان - إنما يتحققان في سلوك الطريق لا غير، فالملازم لمتن الطريق ينتهى إلى ما ينتهى إليه الطريق، وهو الغاية المطلوبة التي يقصدها الانسان السالك في سلوكه، أما إذا استهان بذلك وخرج عن مستوى الطريق فهو الضلال الذي تفوت به الغاية المقصودة فالآية تقدر للانسان طريقا يسلكه ومقصدا يقصده غير أنه ربما لزم الطريق فاهتدى إليه أو فسق عنه فضل وليس هناك مقصد يقصده القاصد إلا الحياة السعيدة، والعاقبة الحسنى بلا ريب لكنها مع ذلك تنطق بأن الله سبحانه هو المرجع الذي يرجع إليه الجميع:
المهتدى والضال.
فالثواب الذي يريده الانسان في مسيره بالفطرة إنما هو عند الله سبحانه يناله المهتدون، ويحرم عنه الضلال، ولازم ذلك أن يكون جميع الطرق المسلوكة لأهل