تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٦ - الصفحة ١٤٨
الاعتبار بالحق وإن كان قليلا أهله وشاردة فئته، والركون إلى الخير والسعادة وإن أعرض عنه الأكثرون ونسيه الأقوون، فإن الحق لا يعتمد في نواميسه إلا على العقل السليم، وحاشا العقل السليم أن يهدى إلا إلى صلاح المجتمع الانساني فيما يشد أزره من أحكام الحياة وسبل المعيشة الطيبة سواء وافق أهواء الأكثرين أو خالف، وكثيرا ما يخالف، فهو ذا النظام الكونى وهو محتد الآراء الحقة لا يتبع شيئا من أهوائهم، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض.
قوله تعالى: " قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث " كأن المراد بعدم استواء الخبيث والطيب أن الطيب خير من الخبيث، وهو أمر بين فيكون الكلام مسوقا للكناية، وذلك أن الطيب بحسب طبعه وبقضاء من الفطرة أعلى درجة وأسمى منزلة من الخبيث، فلو فرض انعكاس الامر وصيرورة الخبيث خيرا من الطيب لعارض يعرضه كان من الواجب أن يتدرج الخبيث في الرقي والصعود حتى يصل إلى حد يحاذي الطيب في منزلته ويساويه ثم يتجاوزه فيفوقه فإذا نفى استواء الخبيث والطيب كان ذلك أبلغ في نفى خيرية الخبيث من الطيب.
ومن هنا يظهر وجه تقديم الخبيث على الطيب، فإن الكلام مسوق لبيان أن كثرة الخبيث لا تصيره خيرا من الطيب، وإنما يكون ذلك بارتفاع الخبيث من حضيض الرداءة والخسة إلى أوج الكرامة والعزة حتى يساوى الطيب في مكانته ثم يعلو عليه ولو قيل: لا يستوى الطيب والخبيث كانت العناية الكلامية متعلقة ببيان أن الطيب لا يكون أردى وأخس من الخبيث، وكان من الواجب حينئذ أن يذكر بعده أمر قلة الطيب مكان كثرة الخبيث فافهم ذلك.
والطيب والخباثة على ما لهما من المعنى وصفان حقيقيان لأشياء حقيقية خارجية كالطعام الطيب أو الخبيث والأرض الطيبة أو الخبيثة قال تعالى: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " (الأعراف: 58)، وقال تعال: " والطيبات من الرزق " (الأعراف: 32)، وإن اطلق الطيب والخباثة أحيانا على شئ من الصفات الوضعية الاعتبارية كالحكم الطيب أو الخبيث والخلق الطيب أو الخبيث فإنما ذلك بنوع من العناية.
هذا ولكن تفريع قوله: " فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون " على
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (بحث قرآني) سورة المائدة 5
2 (68 - 86) كلام في معنى التوحيد في القرآن (بحث قرآني) 86
3 (68 - 86) أيضا فيه 91
4 (68 - 86) أيضا فيه 103
5 (105) عرفان النفس في تسعة فصول 178
6 (106 - 109) في معنى الشهادة (بحث قرآني) 203
7 (106 - 109) في معنى العدالة (بحث قرآني) 204
8 (106 - 109) في اليمين (بحث قرآني) 208
9 (116 - 120) في الأدب في فصول: (بحث قرآني) 256
10 (116 - 120) 1 - معنى الأدب (بحث قرآني) 256
11 (116 - 120) 2 - اختلاف الآداب (بحث قرآني) 257
12 (116 - 120) 3 - معنى الأدب الإلهي (بحث قرآني) 257
13 (116 - 120) 4 - الأدب انما ينتج مع العمل (بحث قرآني) 258
14 (116 - 120) 5 - أدب النبوة العام اجمالا (بحث قرآني) 260
15 (116 - 120) 6 - أدب الأنبياء المحكي في القرآن تفصيلا (بحث قرآني) 264
16 (116 - 120) 7 - أدبهم مع ربهم بين الناس (بحث قرآني) 295
17 (116 - 120) 8 - أدب الأنبياء مع الناس (بحث قرآني) 297
18 (116 - 120) في سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآدابه خاصة (بحث روائي) 302
19 كلام في الرق والاستعباد في فصول: (بحث تاريخي واجتماعي) 338
20 (116 - 120) 1 - اعتبار العبودية لله سبحانه (بحث تاريخي واجتماعي) 339
21 (116 - 120) 2 - استعباد الانسان أسبابه (بحث تاريخي واجتماعي) 341
22 (116 - 120) 3 - نشوء الاستعباد في التاريخ (بحث تاريخي واجتماعي) 343
23 (116 - 120) 4 - ما الذي يراه الاسلام في ذلك؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 343
24 (116 - 120) 5 - ما هو السبيل إلى الاستعباد في الاسلام (بحث تاريخي واجتماعي) 346
25 (116 - 120) 6 - ما هي سيرة الاسلام في العبيد والإماء؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 346
26 (116 - 120) 7 - محصل البحث في الفصول السابقة (بحث تاريخي واجتماعي) 347
27 (116 - 120) 8 - سير الاستعباد في التاريخ (بحث تاريخي واجتماعي) 348
28 (116 - 120) 9 - نظرة في بنائهم (بحث تاريخي واجتماعي) 350
29 (116 - 120) 10 - ما مقدار التحديد؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 352
30 (116 - 120) 11 - إلى م آل امر الإلغاء؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 353
31 (116 - 120) كلام في المجازاة والعفو في فصول: (بحث قرآني) 358
32 (116 - 120) 1 - ما معنى الجزاء؟ (بحث قرآني) 358
33 (116 - 120) 2 - هل يعد المطيع عبدا للمطاع (بحث قرآني) 361
34 (116 - 120) 3 - العفو والمغفرة (بحث قرآني) 361
35 (116 - 120) 4 - للعفو مراتب (بحث قرآني) 363
36 (116 - 120) 5 - هل المؤاخذة أو المغفرة تستلزم ذنبا؟ (بحث قرآني) 372
37 (116 - 120) 6 - رابطة العمل والجزاء (بحث قرآني) 374
38 (116 - 120) 7 - والعمل يؤدي الرابطة إلى النفس (بحث قرآني) 376