واشتداد القوى، واعتضاد الملة، وحياة الدين، وارتفاع أعلام الحق، ورايات التوحيد أصاب بركات جمة ورأى عجبا.
وكان المراد من ذكر هذه الحقيقة عقيب الآيات الناهية عن الصيد هو دفع ما يتوهم أن هذه أحكام عديمة أو قليلة الجدوى، فأي فائدة لتحريم الصيد في مكان من الأمكنة أو زمان من الأزمنة؟ وأي جدوى في سوق الهدى ونحو ذلك؟ وهل هذه الأحكام إلا مشاكلة لما يوجد من النواميس الخرافية بين الأمم الجاهلة الهمجية.
فأجيب عن ذلك بأن اعتبار البيت الحرام والشهر الحرام وما يتبعهما من الحكم مبنى على حقيقة علمية وأساس جدي وهو أنها قيام يقوم به صلب حياتهم.
ومن هنا يظهر وجه اتصال قوله: " ذلك لتعلموا، إلى آخر الآية " بما قبله، والمشار إليه بقوله: " ذلك " إما نفس الحكم المبين في الآيات السابقة الذي يوضح حكمة تشريعه قوله: " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس " (الخ)، وإما بيان الحكم الموضح بقوله: " جعل الله الكعبة " (الخ)، المدلول عليه بالمقام.
والمعنى على التقدير الأول أن الله جعل البيت الحرام والشهر الحرام قياما للناس ووضع ما يناسبهما من الاحكام لينتقلوا من حفظ حرمتهما والعمل بالأحكام المشرعة فيهما إلى أن الله عليم بما في السماوات والأرض وما يصلح شؤونها، فشرع ما شرع لكم عن علم من غير أن يكون شئ من ذلك حكما خرافيا صادرا عن جهالة الوهم.
والمعنى على التقدير الثاني أنا بينا لكم هذه الحقيقة وهى جعل البيت الحرام والشهر الحرام وما يتبعهما من الاحكام قياما للناس لتعلموا أن الله عليم بما في السماوات والأرض وما يتبعها من الاحكام المصلحة لشؤونها فلا تتوهموا أن هذه الأحكام المشرعة لاغية من غير جدوى أو أنها خرافات مختلقة.
قوله تعالى: " اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم، إلى آخر الآيتين " تأكيد للبيان وتثبيت لموقع الأحكام المذكورة، ووعيد ووعد للمطيعين والعاصين، وفيه شائبة تهديد، ولذلك قدم توصيفه بشدة العقاب على توصيفه بالمغفرة والرحمة ولذلك أيضا أعقب الكلام بقوله: " ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما يسرون وما يعلنون ".