قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " البلاء هو الامتحان والاختبار، ولام القسم والنون المشددة للتأكيد، وقوله:
بشئ من الصيد يفيد التحقير ليكون تلقينه للمخاطبين عونا لهم على انتهائهم إلى ما سيواجههم من النهى في الآية الآتية، وقوله: " تناله أيديكم ورماحكم " تعميم للصيد من حيث سهولة الاصطياد كما في فراخ الطير وصغار الوحش والبيض تنالها الأيدي فتصطاد بسهولة، ومن حيث صعوبة الاصطياد ككبار الوحش لا تصطاد عادة إلا بالسلاح.
وظاهر الآية أنها مسوقة كالتوطئة لما ينزل من الحكم المشدد في الآية التالية، ولذلك عقب الكلام بقوله: " ليعلم الله من يخافه بالغيب " فإن فيه إشعارا بأن هناك حكما من قبيل المنع والتحريم ثم عقبه بقوله: " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ".
قوله تعالى: " ليعلم الله من يخافه بالغيب لا يبعد أن يكون قوله: ليبلونكم الله ليعلم كذا كناية عن أنه سيقدر كذا ليتميز منكم من يخاف الله بالغيب عمن لا يخافه لان الله سبحانه لا يجوز عليه الجهل حتى يرفعه بالعلم، وقد تقدم البحث المستوفى عن معنى الامتحان في تفسير قوله تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، الآية " (آل عمران:
142) في الجزء الرابع من هذا الكتاب، وتقدم أيضا معنى آخر لهذا العلم.
وأما قوله: " من يخافه بالغيب " فالظرف متعلق بالخوف، ومعنى الخوف بالغيب أن يخاف الانسان ربه ويحترز ما ينذره به من عذاب الآخرة وأليم عقابه، وكل ذلك في غيب من الانسان لا يشاهد شيئا منه بظاهر مشاعره، قال تعالى: " إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب " (يس: 11)، وقال: " وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " (ق: 33)، وقال: " الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون " (الأنبياء: 49).
وقوله: " فمن اعتدى بعد ذلك " أي تجاوز الحد الذي يحده الله بعد البلاء المذكور فله عذاب أليم.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " (الخ)، الحرم بضمتين جمع الحرام صفة مشبهة، قال في المجمع: ورجل حرام ومحرم بمعنى، وحلال