قصدتها متناولة آثارها انتهى وكأن قولهم عفت الدار إذ بلت مبنى على عناية لطيفة وهى أن الدار كأنها قصدت آثار نفسها وظواهر زينتها فأخذته فغابت عن أعين الناظرين وبهذه العناية ينسب العفو إليه تعالى كأنه تعالى يعنى بالعبد فيأخذ ما عنده من الذنب ويتركه بلا ذنب.
ومن هنا يظهر أن المغفرة وهو الستر متفرع عليه بحسب الاعتبار فإن الشئ كالذنب مثلا يؤخذ ويتناول أولا ثم يستر عليه فلا يظهر ذنب المذنب لا عند نفسه ولا عند غيره قال تعالى واعف عنا و اغفر لنا: البقرة - 286 وقال وكان الله عفوا غفورا: النساء - 99.
وقد تبين بذلك أن العفو والمغفرة وإن كانا مختلفين متفرعا أحدهما على الآخر بحسب العناية الذهنية لكنهما بحسب المصداق واحد وأن معناهما ليس من المعاني المختصة به تعالى بل يصح إطلاقهما على غيره تعالى بما لهما من المعنى كما قال تعالى إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح: البقرة - 237 وقال تعالى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله: الجاثية - 14 وقال تعالى فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر الآية فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعفوا عنهم فلا يرتب الأثر على معصيتهم من المؤاخذة والعتاب والاعراض ونحو ذلك وأن يستغفر فيسأل الله أن يغفر لهم وهو تعالى فاعله لا محالة فيما يرجع إليه من آثار الذنب.
وقد تبين أيضا أن معنى العفو والمغفرة يمكن أن يتعلق بالآثار التكوينية والتشريعية والدنيوية والأخروية جميعا قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير: الشورى - 30 والآية شاملة للآثار والعواقب الدنيوية قطعا ومثله قوله تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض:
الشورى - 5 على ظاهر معناه وكذا قول آدم وزوجته فيما حكاه الله عنهما ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين: الأعراف - 23 بناء على أن ظلمهما كان معصية لنهى إرشادي لا مولوي.
والآيات الكثيرة القرآنية دالة على أن القرب والزلفى من الله والتنعم بنعم الجنة يتوقف على سبق المغفرة الإلهية وإزالة رين الشرك والذنوب بتوبة ونحوها كما قال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون: المطففين - 14 وقال تعالى ومن