قوله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الموت زهاق الروح وبطلان حياة البدن والقتل هو الموت إذا كان مستندا إلى سبب عمدي أو نحوه والموت والقتل إذا افترقا كان الموت أعم من القتل وإذا اجتمعا كان الموت هو ما بحتف الانف والقتل خلافه.
وانقلب على عقبيه أي رجع قال الراغب ورجع على عقبيه إذا انثنى راجعا وانقلب على عقبيه نحو رجع على حافرته ونحو ارتدا على آثارهما قصصا وقولهم رجع عوده إلى بدئه انتهى.
وحيث جعل الانقلاب على الأعقاب جزاءا للشرط الذي هو موت الرسول أو قتله أفاد ذلك أن المراد به الرجوع عن الدين دون التولي عن القتال إذ لا ارتباط للفرار من الزحف بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو قتله وإنما النسبة والرابطة بين موته أو قتله وبين الرجوع إلى الكفر بعد الايمان.
ويدل على أن المراد به الرجوع عن الدين ما ذكره تعالى في قوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية إلى آخر الآيات على أن نظير ما وقع في أحد من فرارهم من الزحف وتوليهم عن القتال تحقق في غيره كغزوة حنين وخيبر وغيرهما ولم يخاطبهم الله بمثل هذا الخطاب ولا عبر عن توليهم عن القتال بمثل هذه الكلمة قال تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين: البراءة - 25 فالحق أن المراد بالانقلاب على الأعقاب الرجوع إلى الكفر السابق.
فمحصل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب والتوبيخ أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ليس إلا رسولا من الله مثل سائر الرسل ليس شأنه إلا تبليغ رسالة ربه لا يملك من الامر شيئا وإنما الامر لله والدين دينه باق ببقائه فما معنى اتكاء إيمانكم على حياته حيث يظهر منكم أن لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين ورجعتم إلى أعقابكم القهقرى واتخذتم الغواية بعد الهداية؟.
وهذا السياق أقوى شاهد على أنهم ظنوا يوم أحد بعد حمى الوطيس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل فانسلوا عند ذلك وتولوا عن القتال فيتأيد بذلك ما ورد في الرواية والتاريخ