الجهل بما في باطن الأشياء فنريد بالامتحان استعلام حالها المجهول لنا والله سبحانه يمتنع عليه الجهل وعنده مفاتح الغيب فالتربية العامة الإلهية للانسان من جهة دعوته إلى حسن العاقبة والسعادة امتحان لأنه يظهر ويتعين بها حال الشئ أنه من أهل أي الدارين دار الثواب أو دار العقاب.
ولذلك سمى الله تعالى هذا التصرف الإلهي من نفسه أعني التشريع وتوجيه الحوادث بلاءا وابتلاءا وفتنة فقال بوجه عام إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا: الكهف - 7 وقال إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا: الدهر - 2 وقال ونبلوكم بالشر والخير فتنة: الأنبياء - 35 وكأنه يريد به ما يفصله قوله فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربى أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربى أهانن: الفجر - 16 وقال إنما أموالكم وأولادكم فتنة: التغابن - 15 وقال ولكن ليبلو بعضكم ببعض: محمد - 4 وقال كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون: الأعراف - 163 وقال وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا: الأنفال - 17 وقال أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين: العنكبوت - 3 وقال في مثل إبراهيم وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات: البقرة - 124 وقال في قصة ذبح إسماعيل إن هذا لهو البلاء المبين: الصافات - 106 وقال في موسى وفتناك فتونا: طه - 40 إلى غير ذلك من الآيات.
والآيات كما ترى تعمم المحنة والبلاء لجميع ما يرتبط به الانسان من وجوده وأجزاء وجوده كالسمع والبصر والحياة والخارج من وجوده المرتبط به بنحو كالأولاد والأزواج والعشيرة والأصدقاء والمال والجاه وجميع ما ينتفع به نوع انتفاع وكذا مقابلات هذه الأمور كالموت وسائر المصائب المتوجهة إليه وبالجملة الآيات تعد كل ما يرتبط به الانسان من أجزاء العالم وأحوالها فتنة وبلاءا من الله سبحانه بالنسبة إليه.
وفيها تعميم آخر من حيث الافراد فالكل مفتنون مبتلون من مؤمن أو كافر وصالح أو طالح ونبى أو من دونه فهى سنة جارية لا يستثنى منها أحد.