وأما الاستثناء فإنما هو بالنسبة إلى الافراد وخروج بعض الافراد من الحكم المحتوم على المجتمع ليس نقضا لذلك الحكم والمحوج إلى هذا الاستثناء أن الافراد بوجه هم المجتمع فقوله فلا يؤمنون حيث نفي فيه الايمان عن الافراد وإن كان ذلك نفيا عنهم من حيث جهة الاجتماع وكان يمكن فيه أن يتوهم أن الحكم شامل لكل واحد واحد منهم بحيث لا يتخلص منه أحد استثنى فقيل إلا قليلا فالآية تجري مجرى قوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم: النساء - 66.
قوله تعالى يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا الخ الطمس محو أثر الشئ والوجه ما يستقبلك من الشئ ويظهر منه وهو من الانسان الجانب المقدم الظاهر من الرأس وما يستقبلك منه ويستعمل في الأمور المعنوية كما يستعمل في الأمور الحسية والادبار جمع دبر بضمتين وهو القفا والمراد بأصحاب السبت قوم من اليهود كانوا يعدون في السبت فلعنهم الله ومسخهم قال تعالى واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم - الأعراف - 163 وقال تعالى ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها: البقرة - 66.
وقد كانت الآيات السابقة كما عرفت متعرضة لحال اليهود أو لحال طائفة من اليهود وانجر القول إلى أنهم بإزاء ما خانوا الله ورسوله وأفسدوا صالح دينهم ابتلوا بلعنة من الله لحق جمعهم وسلبهم التوفيق للايمان إلا قليلا فعم الخطاب لجميع أهل الكتاب على ما يفيده قوله يا أيها الذين أوتوا الكتاب ودعاهم إلى الايمان بالكتاب الذي نزله مصدقا لما معهم وأوعدهم بالسخط الذي يلحقهم لو تمردوا واستكبروا من غير عذر من طمس أو لعن يتبعانهم اتباعا لا ريب فيه.
وذلك ما ذكره بقوله من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها فطمس الوجوه محو هذه الوجوه التي يتوجه بها البشر نحو مقاصدها الحيوية مما فيه سعادة الانسان المترقبة والمرجوة لكن لا المحو الذي يوجب فناء الوجوه وزوالها وبطلان آثارها بل محوا يوجب ارتداد تلك الوجوه على أدبارها فهي تقصد مقاصدها على الفطرة التي فطر عليها لكن لما كانت منصوبة إلى الأقفية ومردودة على الأدبار لا تقصا