أن يزاح بالايمان فهو لا يوجب بما هو كفر لعنة تمنع عن الايمان منعا قاطعا لكنهم لما كفروا وسيشرح الله تعالى في آخر السورة حال كفرهم لعنهم الله بسبب ذلك لعنا ألزم الكفر عليهم إلزاما لا يؤمنون بذلك إلا قليلا فافهم ذلك.
وأما قوله فلا يؤمنون إلا قليلا فقد قيل إن قليلا حال والتقدير إلا وهم قليل أي لا يؤمنون إلا في حال هم قليل وربما قيل إن قليلا صفة لموصوف محذوف والتقدير فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا وهذا الوجه كسابقه لا بأس به لكن يجب أن يزاد فيه أن اتصاف الايمان بالقلة إنما هو من قبيل الوصف بحال المتعلق أي إيمانا المؤمن به قليل.
وأما ما ذكره بعض المفسرين أن المراد به قليل الايمان في مقابل كامله وذكر أن المعنى فلا يؤمنون إلا قليلا من الايمان لا يعتد به إذ لا يصلح عمل صاحبه ولا يزكي نفسه ولا يرقي عقله فقد أخطأ فإن الايمان إنما يتصف بالمستقر والمستودع والكامل والناقص في درجات ومراتب مختلفة وأما القلة وتقابلها الكثرة فلا يتصف بهما وخاصة في مثل القرآن الذي هو أبلغ الكلام.
على أن المراد بالايمان المذكور في الآية إما حقيقة الايمان القلبي في مقابل النفاق أو صورة الايمان التي ربما يطلق عليها الاسلام واعتباره على أي معنى من معانيه والاعتناء به في الاسلام مما لا ريب فيه والآيات القرآنية ناصة فيه قال تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا: النساء - 94 مع أن الذي يستثني الله تعالى منه قوله ولكن لعنهم الله بكفرهم كان يكفي فيه أقل درجات الايمان أو الاسلام الظاهري بحفظهم الظاهر بقولهم سمعنا وأطعنا كسائر المسلمين.
والذي أوقعه في هذا الخطأ ما توهمه أن لعنه تعالى إياهم بكفرهم لا يجوز أن يتخلف عن التأثير بإيمان بعضهم فقدر أن القلة وصف الايمان وهي ما لا يعتد به من الايمان حتى يستقيم قوله لعنهم الله بكفرهم وقد غفل عن أن هذه الخطابات وما تشتمل عليه من صفات الذم والمؤاخذات والتوبيخات كل ذلك متوجهة إلى المجتمعات من حيث الاجتماع فالذي لحقه اللعن والغضب والمؤاخذات العامة الأخرى إنما هو المجتمع اليهودي من حيث إنه مجتمع مكون فلا يؤمنون ولا يسعدون ولا يفلحون وهو كذلك إلى هذا اليوم وهم على ذلك إلى يوم القيامة.