لحكيم ما الذي لا يحسن وإن كان حقا فقال مدح الرجل نفسه انتهى كلامه.
ولما كانت الآية في ضمن الآيات المسرودة للتعرض لحال أهل الكتاب كان الظاهر أن هؤلاء المزكين لأنفسهم هم أهل الكتاب أو بعضهم ولم يوصفوا بأهل الكتاب لان العلماء بالله وآياته لا ينبغي لهم أن يتلبسوا بأمثال هذه الرذائل فالاصرار عليها انسلاخ عن الكتاب وعلمه.
ويؤيده ما حكاه الله تعالى عن اليهود من قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه " المائدة - 18 " وقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة: البقرة - 80 وزعمهم الولاية كما في قوله تعالى قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس:
الجمعة - 6 فالآية تكني عن اليهود وفيها استشهاد لما تقدم ذكره في الآيات السابقة من استكبارهم عن الخضوع للحق واتباعه والايمان بآيات الله سبحانه واستقرار اللعن الإلهي فيهم وأن ذلك من لوازم إعجابهم بأنفسهم وتزكيتهم لها.
قوله تعالى بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا إضراب عن تزكيتهم لأنفسهم ورد لهم فيما زكوه وبيان أن ذلك من شؤون الربوبية يختص به تعالى فإن الانسان وإن أمكن أن يتصف بفضائل ويتلبس بأنواع الشرف والسودد المعنوي غير أن اعتناءه بذلك واعتماده عليه لا يتم إلا بإعطائه لنفسه استغناء واستقلالا وهو في معنى دعوى الألوهية والشركة مع رب العالمين وأين الانسان الفقير الذي لا يملك لنفسه ضرا أو لا نفعا ولا موتا ولا حياة والاستغناء عن الله سبحانه في خير أو فضيلة؟
والانسان في نفسه وفي جميع شؤون نفسه والخير الذي يزعم أنه يملكه وجميع أسباب ذلك الخير مملوك لله سبحانه محضا من غير استثناء فماذا يبقى للانسان؟.
وهذا الغرور والاعجاب الذي يبعث الانسان إلى تزكية نفسه هو العجب الذي هو من أمهات الرذائل ثم لا يلبث هذا الانسان المغرور المعتمد على نفسه دون أن يمس غيره فيتولد من رذيلته هذه رذيلة أخرى وهي رذيلة التكبر ويتم تكبره في صورة الاستعلاء على غيره من عباد الله فيستعبد به عباد الله سبحانه ويجري به كل ظلم وبغي بغير حق وهتك محارم الله وبسط السلطة على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم.
وهذا كله إذا كان الوصف وصفا فرديا وأما إذا تعدى الفرد وصار خلقا اجتماعيا