أوتوا نصيبا من الكتاب أي حظا منه لا جميعه كما يدعون لأنفسهم يشترون الضلالة ويختارونه على الهدى ويريدون أن تضلوا السبيل فإنهم وإن لقوكم ببشر الوجه وظهروا لكم في زي الصلاح واتصلوا بكم اتصال الأولياء الناصرين فذكروا لكم ما ربما استحسنته طباعكم واستصوبته قلوبكم لكنهم ما يريدون إلا ضلالكم عن السبيل كما اختاروا لأنفسهم الضلالة والله أعلم منكم بأعدائكم وهم أعداؤكم فلا يغرنكم ظاهر ما تشاهدون من حالهم فإياكم أن تطيعوا أمرهم أو تصغوا إلى أقوالهم المزوقة وإلقاءاتهم المزخرفة وأنتم تقدرون أنهم أولياءكم وأنصاركم فأنتم لا تحتاجون إلى ولايتهم الكاذبة ونصرتهم المرجوة وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا فأي حاجة مع ولايته ونصرته إلى ولايتهم ونصرتهم.
قوله تعالى من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه إلى قوله في الدين من في قوله من الذين بيانية وهو بيان لقوله في الآية السابقة الذين أوتوا نصيبا من الكتاب أو لقوله بأعدائكم وربما قيل إن قوله من الذين هادوا خبر لمبتدء محذوف وهو الموصوف المحذوف لقوله يحرفون الكلم والتقدير من الذين هادوا قوم يحرفون أو من الذين هادوا من يحرفون قالوا وحذف الموصوف شائع كقول ذي الرمة:
فظلوا ومنهم دمعه سابق له * * وآخر يشني دمعه العين بالمهل يريد ومنهم قوم دمعه أو ومنهم من دمعه.
وقد وصف الله تعالى هذه الطائفة بتحريف الكلم عن مواضعه وذلك إما بتغيير مواضع الألفاظ بالتقديم والتأخير والاسقاط والزيادة كما ينسب إلى التوراة الموجودة وإما بتفسير ما ورد عن موسى عليه السلام في التوراة وعن سائر الأنبياء بغير ما قصد منه من المعنى الحق كما أولوا ما ورد في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بشارات التوراة ومن قبل اولوا ما ورد في المسيح عليه السلام من البشارة وقالوا إن الموعود لم يجئ بعد وهم ينتظرون قدومه إلى اليوم.
ومن الممكن أن يكون المراد بتحريف الكلم عن مواضعه ما سيذكره تعالى بقوله ويقولون سمعنا وعصينا فتكون هذه الجمل معطوفة على قوله يحرفون ويكون المراد حينئذ من تحريف الكلم عن مواضعه استعمال القول بوضعه في غير المحل الذي ينبغي أن