متخالفين من سعادة الحياة الأخرى وشقائها دخول الجنات وظلها الظليل وإحاطة سعير جهنم والاصطلاء بالنار أعاذنا الله ومعنى الآيتين واضح.
قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم الخ الفقرة الثانية من الآية وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ظاهرة الارتباط بالآيات السابقة عليها فإن البيان الإلهي فيها يدور حول حكم اليهود للمشركين بأنهم أهدى سبيلا من المؤمنين وقد وصفهم الله تعالى في أول بيانه بأنهم أوتوا نصيبا من الكتاب والذي في الكتاب هو تبيين آيات الله والمعارف الإلهية وهي أمانات مأخوذة عليها الميثاق أن تبين للناس ولا تكتم عن أهله.
وهذا الذي ذكر من القرائن يؤيد أن يكون المراد بالأمانات ما يعم الأمانات المالية وغيرها من المعنويات كالعلوم والمعارف الحقة التي من حقها أن يبلغها حاملوها أهلها من الناس.
وبالجملة لما خانت اليهود الأمانات الإلهية المودعة عندهم من العلم بمعارف التوحيد وآيات نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكتموها ولم يظهروها في واجب وقتها ثم لم يقنعوا بذلك حتى جاروا في الحكم بين المؤمنين والمشركين فحكموا للوثنية على التوحيد فآل أمرهم فيه إلى اللعن الإلهي وجر ذلك إياهم إلى عذاب السعير فلما كان من أمرهم ما كان غير سبحانه سياق الكلام من التكلم إلى الغيبة فأمر الناس بتأدية الأمانات إلى أهلها وبالعدل في الحكم فقال إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس الخ.
والذي وسعنا به معنى تأدية الأمانات والعدل في الحكم هو الذي يقضى به السياق على ما عرفت فلا يرد عليه أنه عدول عن ظاهر لفظ الأمانة والحكم فإن المتبادر في مرحلة التشريع من مضمون الآية وجوب رد الأمانة المالية إلى صاحبها وعدل القاضي وهو الحكم في مورد القضاء الشرعي وذلك أن التشريع المطلق لا يتقيد بما يتقيد به موضوعات الاحكام الفرعية في الفقه بل القرآن مثلا يبين وجوب رد الأمانة على الاطلاق ووجوب العدل في الحكم على الاطلاق فما كان من ذلك راجعا إلى الفقه من الأمانة المالية والقضاء في المرافعات راجعه فيه الفقه وما كان غير ذلك استفاد منه فن أصول المعارف وهكذا.