اللهم إلا على قدر ما نسرب المواد الدينية في مجتمعهم وعلى هذا فلا بأس بالجمع بين الوجوه المذكورة جلها أو كلها.
قوله تعالى وكان أمر الله مفعولا إشارة إلى أن الامر لا محالة واقع وقد وقع على ما ذكره الله في كتابه من لعنهم وإنزال السخط عليهم وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة وغير ذلك في آيات كثيرة.
قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ظاهر السياق أن الآية في مقام التعليل للحكم المذكور في الآية السابقة أعني قوله آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس الخ فيعود المعنى إلى مثل قولنا فإنكم إن لم تؤمنوا به كنتم بذلك مشركين والله لا يغفر أن يشرك به فيحل عليكم غضبه وعقوبته فيطمس وجوهكم بردها على أدبارها أو يلعنكم فنتيجة عدم المغفرة هذه ترتب آثار الشرك الدنيوية من طمس أو لعن عليه.
وهذا هو الفرق بين مضمون هذه الآية وقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا: النساء - 116 فإن هذه الآية (آية 48) تهدد بآثار الشرك الدنيوية وتلك آية 116 تهدد بآثاره الأخروية وذلك بحسب الانطباق على المورد وإن كانتا بحسب الاطلاق كلتاهما شاملتين لجميع الآثار.
ومغفرته سبحانه وعدم مغفرته لا يقع شئ منهما وقوعا جزافيا بل على وفق الحكمة وهو العزيز الحكيم فأما عدم مغفرته للشرك فإن الخلقة إنما تثبت على ما فيها من الرحمة على أساس العبودية والربوبية قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذاريات - 56 ولا عبودية مع شرك وأما مغفرته لسائر المعاصي والذنوب التي دون الشرك فلشفاعة من جعل له الشفاعة من الأنبياء والأولياء والملائكة والأعمال الصالحة على ما مر تفصيله في بحث الشفاعة في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وأما التوبة فالآية غير متعرضة لشأنها من حيث خصوص مورد الآية لان موردها عدم الايمان ولا توبة معه على أن التوبة يغفر معها جميع الذنوب حتى الشرك قال تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم: الزمر - 54.