قال تعالى في قارون " وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إلى آخر الآيات " القصص - 76، وانما نسب إليها الخير الكثير دون الخير مطلقا، مع ما عليه الحكمة من ارتفاع الشأن ونفاسة الامر لان الامر مختوم بعناية الله وتوفيقه، وامر السعادة مراعي بالعاقبة والخاتمة.
قوله تعالى: وما يذكر إلا أولوا الألباب، اللب هو العقل لأنه في الانسان بمنزلة اللب من القشر، وعلى هذا المعنى استعمل في القرآن، وكأن لفظ العقل بمعناه المعروف اليوم من الأسماء المستحدثة بالغلبة ولذلك لم يستعمل في القرآن وإنما استعمل منه الافعال مثل يعقلون.
والتذكر هو الانتقال من النتيجة إلى مقدماتها، أو من الشئ إلى نتائجها، والآية تدل على أن اقتناص الحكمة يتوقف على التذكر، وأن التذكر يتوقف على العقل، فلا حكمة لمن لا عقل له. وقد مر بعض الكلام في العقل عند البحث عن ألفاظ الادراك المستعملة في القرآن الكريم.
قوله تعالى: وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه، أي ما دعاكم الله سبحانه إليه أو دعوتم أنفسكم إليه بإيجابه عليها بالنذر من بذل المال فلا يخفى على الله يثيب من أطاعه ويؤاخذ من ظلمه، ففيه إيماء إلى التهديد، ويؤكده قوله تعالى: وما للظالمين من أنصار.
وفي هذه الجملة أعني قوله: وما للظالمين من أنصار، دلالة أولا: على أن المراد بالظلم هو الظلم على الفقراء والمساكين في الامساك عن الانفاق عليهم، وحبس حقوقهم المالية، لا الظلم بمعنى مطلق المعصية فإن في مطلق المعصية أنصارا ومكفرات وشفعاء كالتوبة، والاجتناب عن الكبائر، وشفعاء يوم القيامة إذا كان من حقوق الله تعالى، قال تعالى: " لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إلى أن قال: وأنيبوا إلى ربكم " الزمر - 54، وقال تعالى: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " النساء - 31، وقال تعالى: " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " الأنبياء - 28، ومن هنا يظهر: وجه اتيان الأنصار بصيغة الجمع فإن في مورد مطلق الظلم أنصارا.
وثانيا: أن هذا الظلم وهو ترك الانفاق لا يقبل التكفير ولو كان من الصغائر