ومن هنا يعلم: أن في جميع الأقوال السابقة في المسائل المذكورة انحرافا عن الحق لبنائهم البحث على غير ما ينبغي أن يبنى عليه.
وأن الحق أولا: أن الانسان يلحقه الثواب والعقاب من حيث الاستحقاق بمجرد صدور الفعل الموجب له لكنه قابل للتحول والتغير بعد، وإنما يثبت من غير زوال بالموت كما ذكرناه.
وثانيا: أن حبط الأعمال بكفر ونحوه نظير استحقاق الاجر يتحقق عند صدور المعصية ويتحتم عند الموت.
وثالثا: أن الحبط كما يتعلق بالاعمال الأخروية كذلك يتعلق بالاعمال الدنيوية.
ورابعا: أن التحابط بين الأعمال باطل بخلاف التكفير ونحوه.
(كلام في احكام الأعمال من حيث الجزاء) من أحكام الأعمال: أن من المعاصي ما يحبط حسنات الدنيا والآخرة كالارتداد. قال تعالى: " ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة الآية " وكالكفر بآيات الله والعناد فيه. قال تعالى: " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة " آل عمران - 22، وكذا من الطاعات ما يكفر سيئات الدنيا والآخرة كالاسلام والتوبة، قال تعالى:
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم " الزمر - 55، وقال تعالى: " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " طه - 124.
وأيضا: من المعاصي ما يحبط بعض الحسنات كالمشاقة مع الرسول، قال تعالى:
" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا