الله هو إرادة وجهه عز وجل.
واما قوله: وتثبيتا من أنفسهم فقد قيل: إن المراد التصديق واليقين. وقيل:
هو التثبت اي يتثبتون أين يضعون أموالهم، وقيل: هو التثبت في الانفاق فإن كان لله امضى، وان كان خالطه شئ من الرياء أمسك، وقيل: التثبيت توطين النفس على طاعة الله تعالى، وقيل: هو تمكين النفس في منازل الايمان بتعويدها على بذل المال لوجه الله. وأنت خبير بأن شيئا من الأقوال لا ينطبق على الآية إلا بتكلف.
والذي ينبغي ان يقال - والله العالم - في المقام: هو ان الله سبحانه لما اطلق القول أولا في مدح الانفاق في سبيل الله، وان له عند الله عظيم الاجر اعترضه ان استثنى منه نوعين من الانفاق لا يرتضيهما الله سبحانه، ولا يترتب عليهما الثواب، وهما الانفاق رياءا الموجب لعدم صحة العمل من رأس والانفاق الذي يتبعه من أو اذى فإنه يبطل بهما وان انعقد أولا صحيحا، وليس يعرض البطلان. لهذين النوعين الا من جهة عدم ابتغاء مرضاة الله فيه من رأس، أو لزوال النفس عن هذه النية أعني ابتغاء المرضاة ثانيا بعد ما كانت عليها أولا، فأراد في هذه الآية بيان حال الخاصة من أهل الانفاق الخالصة بعد استثناء المرائين وأهل المن والأذى، وهم الذين ينفقون أموالهم ابتغاء وجه الله ثم يقرون أنفسهم على الثبات على هذه النية الطاهرة النامية من غير أن يتبعوها بما يبطل العمل ويفسده.
ومن هنا يظهر ان المراد بابتغاء مرضاة الله ان لا يقصد بالعمل رئاء ونحوه مما يجعل النية غير خالصة لوجه الله، وبقوله تثبيتا من أنفسهم تثبيت الانسان نفسه على ما نواه من النية الخالصة، وهو تثبيت ناش من النفس واقع على النفس. فقوله تثبيتا تميز وكلمة من نشوية وقوله أنفسهم في معنى الفاعل، وما في معنى المفعول مقدر.
والتقدير تثبيتا من أنفسهم لأنفسهم، أو مفعول مطلق لفعل من مادته.
قوله تعالى: كمثل جنة بربوة أصابها وابل إلى آخر الآية، الأصل في مادة ربا الزيادة، والربوة بالحركات الثلاث في الراء الأرض الجيدة التي تزيد وتعلو في نموها، والاكل بضمتين ما يؤكل من الشئ والواحدة أكلة، والطل أضعف المطر القليل الأثر.
والغرض من المثل ان الانفاق الذي أريد به وجه الله لا يتخلف عن اثرها الحسن