فلأنفسكم.
ولما أمكن ان يتوهم ان هذا النفع العائد إلى أنفسهم ببذل المال مجرد اسم لا مسمى له في الخارج، وليس حقيقته إلا تبديل الحقيقة من الوهم عقب الكلام بقوله: وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون، فبين ان نفع هذا الانفاق المندوب وهو ما يترتب عليه من مثوبة الدنيا والآخرة ليس أمرا وهميا، بل هو أمر حقيقي واقعي سيوفيه الله تعالى إليكم من غير أن يظلكم بفقد أو نقص.
وإبهام الفاعل في قوله: يوف إليكم، لما تقدم أن السياق سياق الدعوة فطوي، ذكر الفاعل ليكون الكلام أبلغ في النصح وانتفاء غرض الانتفاع من الفاعل كأنه كلام لا متكلم له، فلو كان هناك نفع فلسامعه لا غير.
قوله تعالى: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله إلى آخر الآية، الحصر هو المنع والحبس، والأصل في معناه التضييق، قال الراغب في المفردات: والحصر والاحصار المنع من طريق البيت، فالاحصار يقال: في المنع الظاهر كالعدو، والمنع الباطن كالمرض، والحصر لا يقال، إلا في المنع الباطن، فقوله تعالى: فإن أحصرتم فمحمول على الامرين وكذلك قوله: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله، وقوله عز وجل: أو جاؤوكم حصرت صدورهم، أي ضاقت بالبخل والجبن، انتهى. والتعفف التلبس بالعفة، والسيماء العلامة، والالحاف هو الالحاح في السؤال.
وفي الآية بيان مصرف الصدقات، وهو أفضل المصرف، وهم الفقراء الذين منعوا في سبيل الله وحبسوا فيه بتأدية عوامل وأسباب إلى ذلك: اما عدو اخذ ما لهم من الستر واللباس أو منعهم التعيش بالخروج إلى الاكتساب أو مرض أو اشتغال بما لا يسعهم معه الاشتغال بالكسب كطالب العلم وغير ذلك.
وفي قوله تعالى يحسبهم الجاهل اي الجاهل بحالهم أغنياء من التعفف دلالة على أنهم غير متظاهرين بالفقر إلا ما لا سبيل لهم إلى ستره من علائم الفقر والمسكنة من بشرة أو لباس خلق أو نحوهما.
ومن هنا يظهر: ان المراد بقوله: لا يسألون الناس إلحافا انهم لا يسألون الناس أصلا حتى ينجر إلى الالحاف والاصرار في السؤال، فإن السؤال أول مره يجوز للنفس