البتة، فإن العناية الإلهية واقعة عليه متعلقة به لانحفاظ اتصاله بالله سبحانه وان كانت مراتب العناية مختلفة لاختلاف درجات النية في الخلوص، واختلاف وزن الأعمال باختلافها، كما أن الجنة التي في الربوة إذا أصابها المطر لم تلبث دون ان تؤتي أكلها ايتاءا جيدا البتة وإن كان ايتاءها مختلفا في الجودة باختلاف المطر النازل عليه من وابل وطل.
ولوجود هذا الاختلاف ذيل الكلام بقوله: والله بما تعملون بصير أي لا يشتبه عليه أمر الثواب، ولا يختلط عليه ثواب الأعمال المختلفة فيعطي ثواب هذا لذاك وثواب ذاك لهذا.
قوله تعالى: أيود أحدكم ان تكون له جنة من نخيل وأعناب " الخ "، الود هو الحب وفيه معنى التمني، والجنة: الشجر الكثير الملتف كالبستان سميت بذلك لأنها تجن الأرض وتسترها وتقيها من ضوء الشمس ونحوه، ولذلك صح ان يقال: تجري من تحتها الأنهار، ولو كانت هي الأرض بما لها من الشجر مثلا لم يصح ذلك لافادته خلاف المقصود، ولذلك قال تعالى في مثل الربوة وهي الأرض المعمورة: " ربوة ذات قرار ومعين " المؤمنون - 50، وكرر في كلامه قوله: جنات تجري من تحتها الأنهار فجعل المعين (وهو الماء) فيها لا جاريا تحتها.
ومن في قوله: من نخيل وأعناب للتبيين ويفيد معنى الغلبة دون الاستيعاب، فإن الجنة والبستان وما هو من هذا القبيل إنما يضاف إلى الجنس الغالب فيقال جنة العنب أو جنة من أعناب إذا كان الغالب فيها الكرم وهي لا تخلو مع ذلك من شجر شتى، ولذلك قال تعالى ثانيا: له فيها من كل الثمرات.
والكبر كبر السن وهو الشيخوخة، والذرية الأولاد، والضعفاء جمع الضعيف، وقد جمع تعالى في المثل بين إصابة الكبر ووجود الذرية الضعفاء لتثبيت مسيس الحاجة القطعية إلى الجنة المذكورة مع فقدان باقي الأسباب التي يتوصل إليها في حفظ سعادة الحياة وتأمين المعيشة، فإن صاحب الجنة لو فرض شابا قويا لامكنه ان يستريح إلى قوة يمينه لو أصيبت جنته بمصيبة، ولو فرض شيخا هرما من غير ذرية ضعفاء لم يسوء حاله تلك المسائة لأنه لا يرى لنفسه إلا أياما قلائل لا يبطئ عليه زوالها وانقضائها، ولو فرض ذا كبر وله أولاد أقوياء يقدرون على العمل واكتساب المعيشة أمكنهم ان يقتاتوا بما يكتسبونه، وان يستغنوا عنها بوجه! لكن إذا اجتمع هناك الكبر والذرية